لعبة القط والفأر بين النظام والإخوان ستعيدنا سنوات إلى الوراء، وتمنع تحقيق الحلم الذى ولد فى 2005، حين أعلن الرئيس تعديل الدستور بحيث تصبح الرئاسة بالانتخاب الحر المباشر، وليس بالاستفتاء، وإن كانت المادة 76 من الدستور التى كفلت هذا الحق قد تضمنت شروطا تعجيزية تمنع المنافسين الحقيقيين من أصحاب الثقل السياسى من الترشح فى الانتخابات، وهى المادة التى يطالب معظم الإصلاحيين والناشطين السياسيين والمثقفين الآن بتعديلها مرة أخرى هى والمادة 77 الخاصة بتحديد مدة تولى رئاسة الجمهورية لتعود كما كانت مدتين فقط، ولا تظل مفتوحة المدد كما هو الحال الآن. لكن هذا الحراك السياسى مهدد بالخمود مرة أخرى إذا ظل الإخوان يرهبون الدولة ويمنعون من اتخاذ خطوة ثانية مهمة للغاية على طريق الإصلاح بإفساح الطريق لمرشحين أقوياء لمنافسة مرشح الحزب الحاكم على مقعد الرئاسة، فالواضح من الحملات الإعلامية المستمرة ضد الإخوان المسلمين ومحاولات التضييق عليهم، وعلى قياداتهم ومداهمة مقارهم وتكرار اعتقال البارزين منهم أن النظام يريدهم خارج اللعبة السياسية الآن، ويخشى أن يؤدى تعديل الدستور أو تغييره إلى إتاحة فرص أكبر لتغلغلهم وتوغلهم داخل دوائر الحكم لتحقيق الحلم الذى ينفونه دائما بالوصول إلى السلطة، وأن الانتخابات البرلمانية النزيهه نسبيا أتت ب 88 نائبا إخوانيا إلى مجلس الشعب، فماذا يمكن أن يحدث إذا كانت الانتخابات نزيهة تماما، وماذا يضمن ألا يدفع الإخوان بأحد قياداتهم لخوض انتخابات الرئاسة القادمة إذا أصبح من حق المستقلين ذلك دون الحاجة لجمع المائتى وخمسين توقيعا من أعضاء الشعب والشورى والمجالس المحلية، وإذا كانوا لن يفعلوا ذلك هذه المرة لدواع برلمانية ومنطقية وبدافع الخوف من مواجهة صريحة مع النظام فى تلك المرحلة، حتى ولو تم تعديل الدستور مرة أخرى، فما الذى يمكن أن يمنعهم من الخوض فى انتخابات الرئاسة فى 2018 أو 2024 ؟ وهل يمكن أن يسمح النظام الحالى بوصول الإخوان إلى السلطة ولو بعد 10 أو 20 سنة من الآن؟... وهل تسمح أمريكا والغرب وإسرائيل بحدوث مثل تلك الفرضية؟، وهل يمكن أن تسكت قوى عربية شقيقة على مثل هذا الحال الذى حدث سيهدد عروشها ومستقبل ممالكها وإمارتها؟ فالحقيقة الوحيدة التى يتفق عليها الحكومة والمعارضة والخاصة والعامة أن الإخوان هم المنافس الحقيقى للنظام الحالى فى الشارع المصرى، وأنهم قوة منظمة ولديهم القدرة على المناورة السياسية والاستمرار والتماسك رغم كل الضربات الأمنية والملاحقة والتشويه الإعلامى. وأعتقد أن هذا هو ما يمنع الدولة من الاستجابة لمطالب البرادعى وغيره بتعديل الدستور، وضمانة نزاهة الانتخابات، لأن النتيجة الحتمية لذلك هو وصول "الجماعة" إلى الحكم، وهو ما لن يسمح به الداخل أو الخارج، وكل ما يحدث الآن من معارك كلامية وشو إعلامى ومناشدات صحفية وتظاهرات على ال"فيس بوك"، وفى ميدان التحرير ليس سوى زوبعة فى فنجان لن تسفر فى رأيى سوى عن مزيد من التمويه والإلهاء، قبل أن يفاجئنا النظام بسيناريو جديد تماما يتم الإعداد له منذ سنوات داخل علبة الحكم المغلقة ليستمر به فى الحكم ومطاردة الإخوان. نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر*