عادل إمام يفعل كل ما يريد.. ومحمد سعد يرى المخرج مجرد "صنايعى" وهنيدى يبث "إفيهاته" على الهواء مشاكل الفنان محمد سعد المتكررة مع مخرجى أفلامه ليست حالة فردية أو خاصة به وحده، رغم أنها الأكثر حدة، وتأثيرًا. وربما كان انسحاب المخرج عمرو عرفة من إخراج أحدث أفلام سعد "بوشكاش"، ووضعه لسعد ومنتجه "السبكى" فى ورطة البحث عن بديل، هو التصعيد الأكثر حدة. وهى المرة الأولى التى ينسحب فيها مخرج من فيلم بدأ تصويره، إلا أنها ليست المرة الأولى التى يحاول فيها نجم فرض سيطرته على جميع تفاصيل عمله. فالظاهرة تكررت كثيرًا، ومع كل نجوم السينما المصرية. تدخلات الزعيم سطوة عادل إمام وصلت إلى حد اختيار الكومبارس والمشاركة فى السيناريو، حتى أن جميع الممثلين فى فيلمه الأخير "مرجان أحمد مرجان" كانوا مختلفين تمامًا عن الكاست الذى اختاره المخرج على إدريس. أما فيلمه الجديد حسن ومرقص، فإنه يتدخل فيه فى كل كبيرة وصغيرة، ويحضر تصوير جميع المشاهد، حتى تلك التى لا يمثل فيها، وهو ما استاء منه عمر الشريف وصرح به أكثر من مرة. والباقون على الطريق نفسه أحمد حلمى يتدخل فى السيناريو ويختار مخرج كل فيلم يدخله، ومحمد هنيدى يضع إفيهاته على الهواء وأثناء التصوير فى كل أفلامه رغم أنف المخرج، وأغلب نجوم السينما حاليًا يتعاملون مع المخرجين على أنهم مجرد منفذين لأفكارهم. الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة هم مخرجو جيل الثمانينيات وبعض المخرجين الشباب المبشرين ممن لا يعملون كثيرًا. محمد سعد قال إنه يتعامل مع المخرج باعتباره "صنايعى" ينفذ تعليماته، وأوضح للعاملين معه، بعد أزمته مع عمرو عرفة، أنه يرى نفسه الأحق باختيار الممثلين، لأنه أساسًا هو الذى اختار المخرج. المخرجون يتضررون المخرجة ساندرا نشأت، إحدى ضحايا محمد سعد، قالت إن الممثل الذى يريد التدخل فى تفاصيل عمل المخرج، عليه أن يُخرج لنفسه، وهذا ما أوضحته لسعد قبل الاعتذار عن فيلم عوكل، وأضافت: "محمد سعد يلهث وراء الضحك المباشر بالإفيهات اللفظية والحركية.. وهذا سبب مشاكله المتكررة مع مخرجيه، والإضافات التى يُضيفها على النص تكون على الهواء، مما يؤدى إلى غضب أى مخرج. والسبب الرئيسى لسيطرة النجم أنه يجد المخرج ليس على نفس مستواه ولا يستطيع إقناعه، ولهذا يتعمد من يريد السيطرة من النجوم اختيار المخرج الأضعف حتى يخضع لهم". ويؤكد المخرج محمد خان أن ظاهرة النجم الأوحد وسيطرته مرتبطة بالانحدار الذى وصلت إليه السينما، كما هى أحد مظاهر الانهيار السينمائى فى مصر، وبالتالى فهى ظاهرة ضد السينما. وللخروج من سيطرة النجم الأوحد، لابد من رجوع المنتج الفنان، الذى يحب السينما كفن، وليس المنتج أو الموزع التاجر، الذى يريد تحقيق مكاسب مادية فقط.. فهذا هو الحل الذى يمكن أن يعدل الدفة. ويضيف: "المخرج الذى يقبل أن يعمل تحت يد النجم يجنى على نفسه"، مشيرًا إلى أنه يرفض حتى حضور الممثل عملية المونتاج، وأنه أخرج من قبل خالد أبو النجا من غرفة المونتاج لأنه أراد أن يرى مشاهده، وأوضح أيضًا أن الراحل أحمد زكى وعادل إمام لا يتدخلان فى عمل المخرج إذا شعرا بثقله وشخصيته القوية. والنقاد أيضاً لهم رأى الناقد مصطفى درويش أكد أن النجم الذى يسيطر ويتدخل بشكل سافر فى تفاصيل فيلمه "أنانى"، وهذا بكل تأكيد سوف يؤثر سلبيًا على مستوى الفيلم. والكارثة تكون فى المخرج الذى يقبل تدخل الممثل، لدرجة أن بعض الممثلين يختاون أماكن التصوير ونوعية وأحجام اللقطات. من ناحيته، يعترف الناقد طارق الشناوى بأن سطوة النجوم موجودة منذ بداية صناعة السينما، فلا تستطيع أن تغفل سطوة أم كلثوم فى اتخاذ قرار تغيير أنور وجدى بسبب تأخره على مواعيد التصوير. أيضًا لا نغفل سطوة أنور وجدى فى عدم احترامه لفريق العمل، ونذكر أيضًا عادل إمام الذى كتب بنفسه مشاهد سائق التاكسى فى الجزء الأول من فيلم بخيت وعديلة وهو الدور الذى قام به محمد هنيدى، رغم أن كاتب الفيلم هو المؤلف الكبير لينين الرملى بثقله الفنى، فأصبح هو صاحب شرعية ظهور الوجوه الجديدة فى أفلامه. ولأنه لم يجد أحدًا، لا مخرج ولا مؤلف ولا حتى صحافة، تتصدى لسطوته، أصبح كل من ينجح ويصبح نجم شباك مثله يحرص على تقليده، ويصبح المبرر أنه نجم، ومن حقه التدخل فى كل التفاصيل الخاصة بفيلمه، الصغيرة قبل الكبيرة، ما دام فيلمه ينجح، ويكسب منتجه ملايين كثيرة. الشناوى ذكر واقعة مصور الفوتوغرافيا الذى قام بتصوير قبلة بين عادل إمام وآثار الحكيم فى أحد مشاهد فيلم النمر والأنثى. وعندما علمت آثار، قالت إن المصور يجب أن يرحل ولا يأتى مرة أخرى، وتدخل عادل إمام قائلا: "لن يغادر المصور البلاتوه. لأن كل من يعمل هنا، يعمل بإذنى". والمخرجون يخضعون لأن المخرج تحكمه الرغبة فى العمل، وبالتالى يتنازل بعضهم بشكل مطلق لكل طلبات النجم. وهناك البعض الآخر الذى يصر بعض الشىء، ويحاول مناقشة النجم وإقناعه بوجهة نظره، وإذا اقتنع النجم، يسعد المخرج. ولكن هذا لا يحدث كثيرًا، بدليل أنه فى فيلم "عوكل" لمحمد سعد، صاحب المشكلة المثارة حاليًا، فبعد أن اختلف مع ساندرا نشأت، دارت مناقشات بينه وبين المنتج لاختيار مخرج آخر، ووقع الاختيار على محمد النجار. وبعد توقيعه العقد مقابل ربع مليون جنيه، بدأ التصوير ودخل البلاتوه بعد ساعات من توقيع العقد، ولذلك إذا استمرت هذه السطوة، من وجهة نظر طارق الشناوى، ستختفى صناعة الفيلم الجيد، فبدلاً من أن يقال إن المخرج صنع الفيلم، والبطل أهم أدوات نجاحه، سيقال مع الأسف فى مصر، كما هو متداول حاليًا أيضًا، أن النجم هو الفيلم، وعلى نجم الشباك أن يعرف أنه أداة توصيل وليس هو القائم على نجاح الفيلم. "الدور" حدود الممثل من جانبه، قال الناقد نادر عدلى إن حدود الممثل داخل العمل هى مسئوليته عن دوره فقط، ولأن السينما المصرية فى السنوات العشر الأخيرة مرت بظروف استثنائية بظهور نجوم جدد، أصبحوا بضربة حظ نجوم شباك يحققون الإيرادات بالملايين، وضعهم المنتجون فى أدوار أكبر من كونهم مجرد ممثلين، وبالتالى، ظهرت سطوة عادل إمام ومحمد سعد، وأصبح المخرج بالنسبة لهؤلاء ليس أكثر من منفذ للسيناريو.. ونجحت هذه الصيغة على مدار الأربع سنوات الأخيرة مع كل من سعد وهنيدى، ولكن سرعان ما اكتشف المنتجون أن الممثل وحده لا يكفى. الناقدة ماجدة موريس أكدت أن للسيطرة حدودا، وهذه السلطة لا يعطيها أحد لأحد، ولكن ينتزعها البعض وفقًا لنفوذه، وإذا تحدثنا عن قواعد صناعة الفيلم الجيد، نقول إن المخرج هو صاحب السلطة من وقت تسلمه السيناريو، والمنتج يقوم بتمويل العمل، والممثل أداة لتوصيل المكتوب فى الورق، لكن تلك المعادلة لا يعمل بها أحد فى السنوات الأخيرة، بسبب وجود نفوذ أقوى من النجم، وأصبح المخرج بدلاً من أن يكون هو قائد العمل، بدأ يتلقى تعليماته من النجم. وهكذا، أتاحت السينما المصرية للنجم اختيار المنتج والمؤلف وتعديل دوره فى الورق، ويختار الوجوه الجديدة والممثلين الذين "سيقفون" أمامه إلى جانب ترتيب أسمائهم بعده على الأفيش.. وهو ما ساهم فى خلق نوع من اختلال المعادلة الأساسية التى سبق وذكرناها. اللجوء للوجوه الجديدة ويوضح المؤلف والمنتج محمد حفظى أنه بسبب هذه السطوة، لجأ إلى التعامل مع الوجوه الشابةالجديدة عندما فكر فى الإنتاج، حتى يتمكن من محاورتهم ومناقشتهم فى جودة الأداء ومساحة الدور، ومن الطبيعى أن يكون المنتج هو المسئول عن اختيار النص الجيد، ثم ترشيح المخرج، وبعدها يقوم المخرج بالاتفاق مع المنتج والسيناريست على الأدوار، وترشيح الممثلين المناسبين لكل دور، ولكن ما يحدث الآن هو العكس تمامًا، فيعقد الممثل النجم، جلسات مع المؤلفين لاختيار النص ثم يختار المنتج الذى سيعمل معه، أو بمعنى أوضح الذى سيقوم بتمويل الفيلم لضمان توفير كل ما يلزمه وتسويق فيلمه بشكل جيد.