بدت ثورة يناير كحلم جميل بعد كابوس طويل، لكن انتهازيى السياسة لم يتركوها تمر دون استفادة فأسسوا تكتلات لنيل المكاسب من ورائها، بينما سعى بعضهم لحيازة الغنائم بشكل فردى، لكن المبدأ كان واحدا لدى قائمة من المنتفعين ما لبثت أن انكشفت أمام الرأى العام والجماهير فيما بعد. القائمة التى تطول، تضم حازم صلاح أبوإسماعيل وخيرت الشاطر ومحمد مرسى ومن تبعهم بعد ذلك من الأتباع الذين رفعوا رايات قادتهم إما لانخداعهم أو لقناعتهم بما يملونه عليهم من سياسات وأفكار. الداعية «ياسر برهامى» مثل التيار السلفى فى اللعب على مشاعر الجماهير، حيث سعى لركوب الموجة الثورية التى لم يكن متحمسا لها فى البداية، بل إنه أصدر فتوى لتعطيلها عندما قال إنه لا يجوز الخروج على الحاكم، الذين ركبوا الثورة كثيرون، وفى هذا الملف ذكر لبعض منهم. «مرسى»باع الثورة لجماعته وتنكر لوعود ما قبل الرئاسة أولى خطوات ركوب الإخوان للثورة بدأت بلقاء 3 فبراير 2011، الذى جمع محمد مرسى، القيادى الإخوانى ومعه محمد سعد الكتاتنى، باللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، كان لقاء سريا، وكان هدف الاجتماع انسحاب أعضاء الإخوان من الميدان، مقابل بعض الامتيازات، وقال الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عن هذا اللقاء: «كان هذا اللقاء سريا، وكنت رافضا له، وطلبت منهم أن يعلنوا ما حدث أمام مكتب شورى الجماعة، وهذا سبب انفعالى منهم، لأنى كنت أرفض الحوار مع الصندوق الأسود للنظام السابق، وخاصة أن الميدان فى تلك الفترة كان يرفض الحوار قبل تنحى الرئيس السابق». كانت تلك هى بداية بيع الرئيس المعزول محمد مرسى لثورة 25 يناير، فقد سعت الإخوان منذ اندلاع الثورة إلى الحصول على مكاسب شخصية ولو على حساب الثوار، وهو ما تبين خلال فترة المجلس العسكرى. باع مرسى الثورة عدة مرات، الأولى خلال لقائه بعمر سليمان خلال ثورة 25 يناير، والثانية عندما أعلن حزب الحرية والعدالة والإخوان أنهما لن ينافسا فى برلمان 2012 إلا على %30 ثم سعت الجماعة إلى الاستحواذ على جميع مقاعد المجلس، والثالثة عندما أعلنت الجماعة عدم ترشيح أحد لها فى الانتخابات الرئاسية، ثم رشحت الجماعة الشاطر ومرسى، والرابعة عندما اجتمع محمد مرسى بشباب الثورة وشخصيات سياسية بفندق فيرمونت خلال جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، ووعد فيها مرسى المجتمعين معه بتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، إلا أن الرئيس المعزول خالف وعوده بالكامل وبعد توليه الرئاسة مباشرة. خيرت الشاطر.. رجل أراد شراء وطن «أخشى على الإخوان من طموح خيرت الشاطر».. كانت هذه نبؤة مبكرة من محمد العدوى عضو مكتب الإرشاد فى نهاية الثمانينيات حين لاحظ الصعود السريع لخيرت داخل التنظيم ولم يكن يدرى وقتها أن تخوفه كان فى محله وأن الجماعة التى ظلت أكثر من 80 عاما فى صفوف المعارضة ستنهار خلال عام واحد من توليها السلطة والسبب هو منطق الشاطر فى التعامل مع السياسة بوصفها تجارة يمكنه أن يكوش على كل شىء. طموح «الشاطر» كان سببا فى هلاكه لكن الفارق أن نائب المرشد العام كاد أن يهلك دولة بأكملها، قصة الشاطر مع ثورة يناير بدأت فى نهاية فبراير حين تم الإفراج الصحى عنه وقتها كانت الجماعة اتخذت قرارا بعدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية والترشح بنسبة لا تتجاوز ال%20 من مقاعد البرلمان، واللافت أنه نفسه أكد هذه القرارات فى تصريحات إعلامية أدلى بها فور خروجه من السجن وزعم وقتها أن الجماعة درست التجارب المحيطة فى الجزائر وغزة وتخشى من تكرارها. لم يمر أكثر من عام حتى كانت مواقف الشاطر قد تبدلت 180 درجة، والأصوب أن الأمر لم يكن يحتاج سوى بضع لقاءات مع مسؤولين بالإدارة الأمريكية، مرة مع «جون ماكين» وأخرى مع السفير الأمريكى حتى اقتنع أن البيت الأبيض لا يمانع فى تولى الإخوان رئاسة مصر. أحد المنشقين عن الجماعة لم يجد يومها دعوة أفضل لمرسى سوى أن يقول: «اللهم باعد بينه وبين خيرت الشاطر كما باعدت بين المشرق والمغرب» لكن حقيقة الأمر أن المسافات كانت تقريبا قد تلاشت حيث حكم الجماعة. زرع الشاطر رجاله حول مرسى، أيمن هدهد مستشارا أمنيا، وكذلك دفع بشريكه فى أحد مصانع الأدوية أحمد عبد العاطى كمسؤول عن ديوان رئيس الجمهورية ويحيى حامد مسئولا عن التنسيق بين رئيس الجمهورية والأجهزة التنفيذية للدولة بالإضافة إلى خالد القزاز و أيمن على ليتولوا مناصب مهمة فى القصر. لم تستمر عملية إدارة الدولة بمنطق الشركة أكثر من عام واحد فقط وحين بدا أن سقوط حكم الجماعة مسألة وقت لجأ الشاطر إلى الاصطفاف بالإخوان إلى جانب التيارات التكفيرية فى ميدان رابعة العدوية. خالد سعيد.. السلفى الذى ركب الموجة للوصول إلى الزعامة سعى خالد سعيد، عقب ثورة 25 يناير مباشرة، إلى إنشاء كيان سلفى أطلق عليه مسمى «الجبهة السلفية»، ليكون أحد فروع السلفية ذات الصلة بجماعة الإخوان، كما حاول تقلد الزعامة من خلال الجبهة التى شكلها خيرت الشاطر، نائب مرشد جماعة الإخوان، تحت مسمى «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح»، ورغم أن تلك الجبهة لم تكن موجودة خلال ثورة 25 يناير، فإنها سعت من خلال اقترابها من جماعة الإخوان إلى السيطرة على الكيان السلفى بشكل كامل، حتى إن الدعوة السلفية بالإسكندرية اتهمت الجماعة بأنها تحاول إقصاءها من خلال إنشاء كيان الجبهة السلفية. تزعم خالد سعيد الجبهة السلفية، وسعى من خلالها إلى إنشاء حزب جديد تحت مسمى «حزب الشعب - تحت التأسيس» إلا أنه لم يتم تأسيسه حتى الآن أو إشهاره، كما سعى من خلال تواجده فى الهيئة الشرعية لأن يجعل لجبهته وجودا على باقى الحركات الإسلامية. كانت الجبهة السلفية أحد المشاركين فى جمعة قندهار فى نهايات شهر يوليو 2011. وشارك خالد سعيد وجبهته فى الفعاليات التى نظمها إسلاميون، أمام مقر الأمن الوطنى أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسى. عقب عزل مرسى مباشرة شارك خالد سعيد وجبهته «الإخوان» فى التحالف الذى تزعمته الجماعة وأنشأته من رابعة العدوية. وكان آخر دعوات الجبهة السلفية هو التحريض الرسمى بقيادة خالد سعيد على ما أسمته «الثورة الإسلامية»، والتى طالبت خلالها باستخدام جميع أنواع الأسلحة، ورفع المصاحف، إلا أن هذه الفعاليات فشلت فشلا ذريعا بعد انفضت عنها جميع الحركات الإسلامية، كما تخلت الإخوان عنها قبل ساعات من بدء المظاهرات. حازم صلاح أبوإسماعيل.. زعيم وهمى باع أنصاره ظهر حازم صلاح أبوإسماعيل فى أعقاب الثورة قرر خوض الانتخابات الرئاسية فى 2012، وقاد أنصاره فى العديد من المعارك السياسية، مستغلاً أخطاء المجلس العسكرى فى أعقاب الثورة ليبنى قاعدته الشعبية من مهاجمة قاده المجلس العسكرى إلا أنه أثبت من خلال هذه المعارك أنه من المنتمين لمدرسة الزعامة الوهمية. فى الأساس هو محام وعضو بنقابة المحامين، لكن شهرته بالشيخ حازم جاءت لأنه أحد الذين قدموا أنفسهم على أنهم أهل للعلوم الدينية. دفع بعدد من أنصاره للاعتصام أمام وزارة الدفاع، حيث لوحت منصتهم باقتحام المبنى ووقع العديد من الاشتباكات مع عدد من أهالى المناطق المجاورة لكن القوات المسلحة فضت الاعتصام بالقوة ليخرج الشيخ قائلاً عن المعتصمين: «لا حركتهم بعلمى ولا أعرف أى حاجة عنها». اتبع الشيخ حازم أبوإسماعيل سياسات «استمر فى الكذب حتى يصدقك الناس» بقضية جنسية والدته والتى أدت فى النهاية لاستبعاده من الانتخابات الرئاسية بعدما ثبت للجنة من المستندات المرسلة لها من الخارجية الأمريكية حصول والدة حازم أبوإسماعيل نوال نور على الجنسية الأمريكية. لم يترك الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل بابا إلا وطرقه مدعيا علمه ببواطنه. بنبرة صوت هادئة يستطيع الشيخ المحامى أن يقدم معلوماته غير المدققه من خلال اختياره للشاطئ المناسب الذى يعرض عليه بضاعته، حيث منطقة الوسط بين الإسلاميين والثوريين وباستقطاب ضحاياه حقق الشيخ المحلل الاقتصادى والسياسى أعلى نسبة من البوسترات قبل الانتخابات الرئاسية ليركب موجات الثورة مع أصدقائه. ياسر برهامى.. اللاعب على كل الحبال لن ينسى ياسر برهامى أبرز مؤسسى الدعوة السلفية بالإسكندرية أنه وقف فى الأسبوع الأول من شهر يناير 2011 يخطب فى أتباعه ومريديه وهو يحاول جاهدا أن يحبس دموعه داخل صدره على دم السيد بلال تلميذه الذى اعتقل إثر حادث تفجير كنيسة القديسين. كان ما زال غاضبا، والغضب فى نفوس أتباعه كان قد وصل إلى أبلغ مدى وكلهم ينتظرون كلمة من الشيخ فوقف الرجل يحدثهم بصوت مخنوق عن الفتن وضرورة الصبر والاحتساب والاستعانة بالدعاء والعلم والدعوة والعبادة، ويحذرهم من الانجراف إلى الأعمال التى تكون نتيجتها وقوع عشرات الضحايا بدلا من ضحية واحدة، يطول حديثه حتى يقترب من الساعة لكنه لا يجرؤ على أن ينطق باسم السيد بلال أو أن يتحدث صراحة عما يقصد فيختتم خطبته والدموع تفيض رغما عنه داعيا ربه: «اللهم إنا مغلوبون فانتصر». اتشح موقع «أنا السلفى» الناطق باسم الدعوة السلفية وقتها بالسواد وتصدرته عبارة «اللهم انتقم من الظالمين» لكن بعدها بأقل من أسبوعين بثت فتوى ل«برهامى» حول حكم المشاركة فى ثورة 25 يناير، حيث قال نصا: «نرى عدم المشاركة فى تظاهرات الخامس والعشرين من يناير، وكلام المشايخ واضح جدًّا فى ذلك، والأوضاع مختلفة بين مصر وتونس». المفارقة فى فتوى برهامى حول 25 يناير أن الرجل الذى كان يبكى بحرقة ويدعو الله أن ينتقم من النظام ورموزه لم ير أى حرج فى أن يستخدم نفس تعبيراتهم بأن مصر ليست تونس وأن يفتى بعدم جواز المشاركة فى المظاهرات ضده. فيما بعد تعددت مواقف برهامى وكلها كانت تؤكد على معنى واحد وهو أن الرجل ييمم وجهه شطر المصلحة مهما تناقضت الأفعال.. كان رافضا لتشكيل حزب سياسى يعبر عن الدعوة السلفية وعندما أصبح للحزب وجود على الساحة السياسية لم يقنع إلا بأن يسير الحزب وفقا لتعليمات الدعوة، تحالف مع الإخوان عندما كانوا على بعد خطوات من السلطة وعندما شعر أن الأرض تميد من تحت أقدامهم وقف مع المعسكر المعارض لهم، افتعل أزمة الشريعة فى الجمعية التأسيسية لدستور 2012 ثم صمت تماما عن إلغاء نفس المواد التى حارب من أجلها فى دستور 2014. خلاصة درس ياسر برهامى مع ثورة يناير يمكن أن تضعه فى جملة واحدة وهى «اللعب على كل الحبال قد يفيد أحيانا».