استطاع أن يخُط لنفسه لونًا مميزًا وسط أقرانه، لونًا للغة تصويرية خاصة وأحيانًا استثنائية.. هو الفنان التشكيلى عصام معروف.. بداية حين تلمح أعماله تشعر أنه مختلف، وما بين لغة الألوان والنص التشكيلى تنتقل إلى عالمه بكل سلاسة، فسطوح لوحاته أيقونات مليئة بالدلالات والمعانى العميقة أضفت عليها رؤيته الفلسفية شيئًا من الإثارة والتشويق، ولعل هذا ما يميز أعمال عصام معروف، فى قدرته على بناء تلك العلاقة بين المُتلقى والعمل وهى بُغية المبدع، علاقة يخترق معها المتلقى حدود السطح إلى عوالم تنتمى إلى الفنان شكلتها أحاسيسه وخيالاته وقناعاته الفكرية وموروثه الثقافى والبيئى، وهى شديدة الحبكة والصياغة والانسياق من الناحية الفنية ومن الناحية التعبيرية، فهو مسيطر على أدواته "موهبته، وقدراته، ورؤيته، وأسلوبه، وخبراته، وتقنيته، وموضوعه، ومخزونه والبصرى، والرغبة فى التفرد"، كلٌ حُدد له دوره ومساحته بانضباط شديد بلا تكلف أو استعراض، ولهذا تأتى معزوفاته التشكيلية موسيقى بصرية جمالية بلا نشاذ، وقبل أن أترك مقدمتى اشير لمعرض الفنان القادم بجاليرى مصر بالزمالك بداية سبتمبر القادم (7 ديسمبر) لعلها فرصة للقارئ للتعرف على أعمال الفنان عصام معروف عن قرب إن كانت لم تتح له هذه الفرصة من قبل. ومن هذا المنطلق ندرك لماذا صار المُتلقى العادى قادرًا على أن يَميز أعمال عصام معروف من وسط عشرات الأعمال، ما بالنا بالمتخصصين من نقاد وفنانين، وبرغم ميله للرمزية والاختزال إلا أن لغته البصرية قادرة على بناء هذا الحوار المستهدف مع المتلقى تاركًا له أيضًا دوره، فعليه الولوج داخل هذا البناء الدلالى للنص التشكيلى بغية استضاح المعنى لاستجلاء ما تحمله من الرسالة، وهو أسلوب يتواءم مع طرح "عصام معروف" الفلسفى، فعلى سبيل المثال، يأتى الوجه عنده كعنصر رئيس فى أغلب أعماله ومع ذلك نجده ابتعد مختارًا وبذكاء عن التفاصيل التشكيلية للوجه، فليس هذا ما يريده "معروف" فسطح اللوحة كل لا يتجزأ، مترابط إذا حاولت الانفصال بجزء فقد العمل مضمون تلك الرسالة الفلسفية التى ضمنها إياه، إنما هو جملة تشكيلية حملها آثار وانطباعات ذاتية وخطابات حسية تأتى بين جمل عدة ذات إيقاعات لونية خاصة أو ما يمكن تسميته بالموسيقى البصرية التى تُخاطب الوجدان والعقل معًا. فعالم عصام معروف لن تألفه لدى سواه، عالم مهتم بالتفحص والتأمل لجوانب الحياة والوجود وأحيانًا الموت فى إطار من السحر والتشويق يصل المُتلقى بعالم أسمى وأجمل.. عالم الأفكار.. فمع الأفكار يكون القارئ أكثر حرية من غيره، حيث يترك له هذا النص التعبيرى حرية قراءته بصيغ مختلفة وقد تكون متباينة وهو ما يُكسب أعمال "معروف" هذا الثراء من حيث الأفكار المتعددة والرؤى المتباينة، وهنا يكمن سر تميزها، فلغة اللون والتكوين هم الأساس لديه هما شاغله وهدفه، حتى مع رسمه للمرأة وهى بطلة كثير من لوحاته ابتعد "معروف" عن إبراز جمالها أو أنوثتها فهى عنده عنصر دلالى لا جمالى، فالجمال عنده فى بنائية وتكامل العمل ككل، هو مُشغل أكثر ببحثه عن طاقة اللون أو روحه أو إيقاعه النفسى المتولد من الذاكرة البصرية ومن الموروث الثقافى والحضاري، باعثًا من خلال هذا الهارمونى بين عناصر التكوين والألوان ولغتها البصرية وطاقاتها الروحية رسائله بسلاسة للمُتلقى. وفى ملمح سريع لأعمال عصام معروف سنجد وجه المرأة صاحب مقام رفيع من بين الوجوه الإنسانية التى رسمها، فالمرأة عنده هى الملهمة، هى الحياة بمنحنياتها صعودًا وهبوطًا، هى الميلاد والموت، هى الحب والدفء والمشاعر، هى الحضن والوطن والأم والحبيبة، وأحيانًا أخرى كراهية وعنف وجفاء، ورغم تناول المرأة من قِبل كثير من الفنانين إلا أنها غير عند "معروف" استحضرها من عوالم خاصة مرتبطة برؤيته الفنية المتمردة على النمطية والقوالب المتكررة، حتى أنه يميل دائمًا حتى إلى كسر النمط اللونى بضربات فرشاة تقطع القراءة البصرية المتوقعة، ومع اللون الواحد ستجده باحثًا عن كل درجاته وصولاً لكامل طاقاته الكامنة فى كل درجة. هو حقًا فنان مختلف، ومتميز، ومبهر، ومحير، وأعماله سلسة لدرجة الإرباك الدافع للتساؤل مرات ومرات عن مغزاه ومقصده، وهو ما يدفعك مرارًا ومرارًا للوقوف أمام العمل الواحد تقرأ وتقرأ وفى كل مرة تكتشف جديد.. وهذا هو عصام معروف.