فى مطلع التسعينات من القرن الماضى صدر قرار رئيس الوزراء بإنشاء منطقة صناعية فى مطوبس وبالرغم من مرور كل هذه السنوات وحاجة البلاد الماسة إلى الاستثمار لدفع عجلة الاقتصاد والقضاء على طوابير البطالة بين الشباب إلا أن منطقة مطوبس الصناعية لازالت صحراء جرداء لم يعرف الاستثمار طريقاً إليها، علماً أنها الموقع والموضع الأكثر تميزاً على مستوى الدولة، بل هى عبقرية المكان الذى كان يقصده المبدع الاستراتيجى والجغرافى جمال حمدان، حيث تتميز باطلالتها الشاسعة على البحر المتوسط من الشمال ونهر النيل من الغرب ويحيط بها عدة طرق دولية تُسهل الوصول إليها من كل مكان، ولايفصلها عن مطار الاسكندرية سوى 60 دقيقة وتحيط بها اليد العاملة الماهرة من كل محافظات الدلتا المزدحمة بالسكان والمواد الأولية الجاهزة لتحويلها إلى صناعات اقتصادية هامة، وبالرغم من ذلك لم تلقى أى اهتمام من المسؤولين، ولم تشفع لها كل هذه الامتيازات، بل يبدو أن موقعها كان وبالاً عليها، فبالرغم أنها الرأس فى هذا الوطن إلا أن المسؤولين جعلوها فى ذيل القائمة وخارج دائرة الاهتمامات، فتحولت المنطقة إلى صحراء جرداء طاردة للاستثمار، وعندما طالب الاهالى باحيائها لتكون طوق النجاة لهم وانتشالهم من بئر البطالة الذى يقبع فيه شبابهم تم زيادة الاسعار وتحميل الراغبين فى الاستثمار مزيداً من الاعباء بدلاً من تقديم التسهيلات فظلت المنطقة خاوية بلا عروش. وبالرغم من أن جميع المناطق الصناعية فى الدولة تحظى باستثناءات وتسهيلات لتشجيع المستثمرين إلا أن منطقة مطوبس الصناعية كانت خارج هذه القاعدة، حيث تحظى بباقة طويلة من الروتين والتعقيدات تمثلت فى الآتي: أولا: تم الغاء قرار التمليك فى المنطقة وتحويلها إلى حق إنتفاع لمدة خمسين عام، وثم تم تعديل قرار حق الانتفاع ليصبح 25 عاماً بدلاً من 50 وكأن الحكومة لاترغب فى بيع الارضى وتبحث عن حجة لطرد المستثمرين. ثانيا: تم زيادة سعر المتر المربع مؤخراً من 250 جنية إلى 585 جنيه للدفع الكاش وأكثر من 800 جنيه للدفع بالتقسيط، بما يزيد عن الاسعار فى المناطق الصناعية الاخرى بعشرات المرات، حتى أصبح الشباب والمستثمرين فى مطوبس يطلقون عليها منطقة الجباية وليس منطقة الاستثمار. ثالثا: قررت محافظة كفر الشيخ تحميل المستثمرين ثمن جميع الخدمات التى تقاعست الحكومة عن تنفيذها طوال السنوات الماضية، وبدلاً من سرعة انجازها قررت تحميلها للراغبين فى الشراء ومن هذه الخدمات انشاء محطة لمعالجة المياة بقيمة 90 مليون جنية، بالاضافة إلى خطوط الكهرباء والماء والغاز والطرق وغيرها من الخدمات، هل بعد كل هذه الاجراءات تشجع الحكومة على الاستثمار أم تُصَر على أن تبقى المنطقة صحراء جرداء. رابعا: بالرغم من مرور اكثر من عشر سنوات على تخصيص المنطقة الصناعية والبالغ مساحتها نحو 1100 فدان بالاضافة إلى مساحة مماثلة صدر قرار باضافة 500 فدان منها للمنطقة الصناعية لتصل إلى اجمالى المساحة لنحو 1600 فدان إلا أن كل ما تم بيعه للمستثمرين لايتجاوز 40 فدان فقط على مدار كل هذه السنوات ولم يبدأ العمل سوى فى أربع مصانع صغيرة تقارع البيروقراطية ويهددها الروتين وسوء القرارات والغلاء بالتوقف والإغلاق. خامسا:كان ضمن مخطط التنمية فى المنطقة انشاء مجموعة من العمارات السكنية لتكون نواة لمدينة مطوبس الجديدة وتشجيعاً للمستثمرين ولكن تم الغاء هذا المخطط وسحب المشروعات بحجة اعتراض وزارة الدفاع على البناء، علما أن وزارة الدفاع لم تعترض على البناء وإنما طالبت بتعديل الارتفاعات بحيث لاتتجاوز 12 متراً نظراً لانها منطقة حدودية لها ارتباطات مباشرة بالأمن القومى وبدلاً من تعديل الارتفاعات توقف السير فى مخطط التنمية والبناء. سادسا: يطالب الآن عدد من المستثمرين الذين اشتروا قطع من الارضى باسترجاع فلوسهم فى الوقت الذى تبحث فيه الدولة عن مستثمرين وتعدل القوانين من اجل زيادة الاستثمار وضخ رؤس الاموال لدفع عجلة الاقتصاد. سابعا:قام المستثمرين الذين اشتروا الارض قبل صدور قرار بتحويل الملكية إلى حق انتفاع برفع قضايا على الدولة للتدخل المنطقة فى قضايا وصراعات قبل أن يبدأ العمل بها وتدب الحياة فى ارجائها. ثامنا: طالب سكان مطوبس بتخصيص جزء من الارض لمشاريع الشباب بأسعار زهيدة وتدفع بالتقسيط وخاصة أن الصندوق الاجتماعى للتنمية ابدى موافقة على تمويل مشروعات الشباب ولكن القرارات الخاصة بارتفاع اسعار الارض بشكل جنونى يحول دون دخول الشباب إلى عالم الاستثمار، وكأن الشباب سقطوا من حسابات واهتمامات المسؤولين. تاسعا: قرر محافظ كفر الشيخ مؤخراً انشاء منطقة حرفية لتجميع الحرف داخل المنطقة الصناعية بدلاً من انتشارها فى مدينة مطوبس والمناطق السكنية إلا أن قرار المحافظة بالزام الحرفيين ببناء ورش وفق معايير عالية يحول دون نقل الحرف إلى المنطقة نظراً لارتفاع تكلفة المبانى بجانب ثمن الارض. عاشراً: اقترح شباب مطوبس أن تقوم الحكومة بالنباء ويتم تأجير هذه المبانى للمستثمرين والحرفيين ولكن الاقتراح مثل كل الامال والطموحات ذهب مع الرياح. كل هذه الآثام والمعوقات وسوء التخطيط وضيق آفق المسؤولين وتجاهل الحكومات ساهم فى زيادة البطالة بين الشباب فى المحافظة وأدى إلى غياب الاستثمار عن تلك المنطقة، فهل تتحرك الحكومة وتعيد صياغة القوانين والقرارات الصادرة بشأن المنطقة لتكون جاذبة للمستثمرين وملاذ للشباب أم ستواصل الاهمال لكى تظل الأرض جرداء طاردة للاستثمار بعيدة عن آمال وطموحات الشباب.