التشكيل النهائى لهيئات مكاتب اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    ضمن "مبادرة بداية".. جامعة بنها تنظم قوافل توعوية وتثقيفية بمركز شباب كفر عابد    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    محافظ الشرقية يفتتح لوحة توزيع كهرباء في أبو حماد بتكلفة 212 مليون جنيه    رئيس الوزراء يبحث مع رئيس وزراء بافاريا الألمانية ملفات التعاون المشترك    عاجل.. مروحية تنقل قتلى وجرحي من الجنود الإسرائيليين.. وبيان هام من الجيش اللبناني    بوريل: «الاحتلال الإسرائيلي» يستهدف العاملين بمجال الرعاية الصحية في بيروت    الرئيس السيسي يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الحرب الروسية الأوكرانية| تصعيد جديد أم بداية الحسم؟.. فيديو    البعثة المصرية للرياضة الجامعية تكتسح بطولة الألعاب الأفريقية للجامعات    اجتماع بين الأهلي وفيفا لبحث ترتيبات مباراة العين ب كأس الأنتركونتننتال    يوفنتوس يحقق رقما تاريخيا فى دورى أبطال أوروبا    جوميز يخطر الزمالك برحيل رباعي الفريق    بيراميدز يتجه إلى تركيا لخوض معكسر إعدادي استعدادًا للسوبر المصري    غلق إداري لأكاديمية تمريض غير مرخصة في حملة ببني سويف    محافظ المنيا يُتابع الحالة الصحية لمصابي حادث انقلاب سيارة على كوبري أبو شناف    هشام ماجد ضيف برنامج الراديو بيضحك مع الإعلامية فاطمة مصطفى اليوم    تتويجا لرحلته الفنية.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي بتاريخ الفنان لطفي لبيب    بدلاً من العزلة.. 3 أبراج تعالج قلوبها المحطمة بمساعدة الآخرين    صحة الدقهلية تطلق إشارة البدء لفعاليات الدورة التدريبية لإعداد القيادات    رئيس جامعة عين شمس: نضع على رأس أولوياتنا تنفيذ توجهات الدولة لتطوير القطاع الطبي    السيسي يؤكد دعم مصر لرئاسة موريتانيا الحالية للاتحاد الأفريقي    تفاصيل عروض برنامج «فلسطين في القلب» بمهرجان الإسكندرية السينمائي    الحكومة تدرس نقل تبعية صندوق مصر السيادي من التخطيط إلى مجلس الوزراء    زغلول صيام يكتب: سوبر إيه بس!.. من ينقذ كرة القدم من هذا العبث؟! وإيه حكاية زيطة الإداريين في الجبلاية    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    لحسم الشكاوى.. وزير العدل يشهد مراسم إتفاقية تسوية منازعة استثمار    للخريف سحر لا يقاوم.. 15 صورة من شواطئ عروس البحر المتوسط    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    "لوتس للتنمية والاستثمار" توقع عقد توريد بنجر السكر لمصنع القناة لموسم 2024-2025    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي بدمياط    محافظ كفر الشيخ يتابع سير العمل بالمركز التكنولوجي ومنظومة التصالح بالرياض    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين    بسبب عادل إمام.. لطفي لبيب يحكي قصة زيادة اجره "صفر" جنيه    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    صلاح الأسطورة وليلة سوداء على الريال أبرز عناوين الصحف العالمية    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    ب367 عبوة ل21 صنف.. ضبط أدوية بيطرية منتهية الصلاحية في حملات تفتيشية بالشرقية    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وديع الساعاتى.. قل للزمان ارجع يا زمان
عاشق العقارب الذى حطمته الصين
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 02 - 2010

لم يكن يتخيل أن رحلته فى عالم الساعات التى امتدت لنصف قرن سيطرأ عليها كل هذا التحول.. أن يجلس فى دكانه الصغير كى ينشغل بإصلاح ساعة صينية الصنع رخيصة الثمن، وهو الذى عاش أجمل لحظات عمره المهنى مع عالم الساعات السويسرية الشهيرة، واحتضنت يداه أرقى الماركات العالمية.
رفع العم وديع ظهره المحنى واعتدل فى جلسته بعدما رفع عينيه المنهكتين عن ساعة معطوبة قائلا "المهنة تغيرت وأصبحت مهددة بالانقراض بعد دخول التكنولوجيا عالم الساعات، لم يعد هناك من يرغب فى اقتناء تحفة سويسرية أصيلة إلا القليل، معظم الناس صاروا يفضلون اليوم إما ساعة رقمية خفيفة أو صينية رخيصة الثمن.. وهذا هو الحال اليوم".
مهنة الساعاتى فى مصر شأنها شأن كثير من الحرف المرتبطة بالماضى تواجه شبح الاندثار والانزواء أمام طوفان المنتجات الصينية التى غزت السوق المصرى فى السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت الدكاكين الخاصة بإصلاح الساعات تنتشر فى المدن وحتى القرى المصرية، أصبح من النادر هذه الأيام رؤية لافتة الساعاتى كما كان فى السابق.
فى دكانه الصغير القابع فى حى البساتين المكتظ زبائنه يعرفهم، فهم إما العجائز الذين ترتبط ساعاتهم القديمة بذكريات عن هدية من شخص عزيز أو مناسبة سعيدة، أو شريحة الشباب الذين يرغبون فى لف ساعة براقة حول معصمهم رغم أن ثمنها لا يتعدى العشرة جنيهات.
يتابع عم قائلا " الساعات الصينية الرخيصة ملأت الدنيا، منظرها من الخارج جميل ومغرى وبراق لكن جوهرها سىء ورخيص وخال من الروح مثل كثير من البشر".
هكذا يفلسف رؤيته للساعات البراقة المزيفة التى قلبت حياته رأسا على عقب، لكنه يشرح على الفور السبب فى أن " ثمنها هذه الأيام أصبح يقدر بعشرة جنيهات فقط وعندما يأتى زبون لإصلاحها وهى بالطبع سريعة العطب لأن مكوناتها الداخلية رخيصة الثمن، وأقول له إن إصلاحها سيتكلف خمسة جنيهات، يضحك الزبون قائلا إنه سيضع خمسة جنيهات أخرى ويشترى واحدة أخرى جديدة، وعندما يوافق أحدهم على مضض، أقوم بإصلاحها لكن بلا مزاج، والأمر ليس إصلاحا فى حد ذاته بل هو استبدال قطعة بقطعة أخرى إلى حين، بينما الساعة الرقمية لا تحتاج إلى ساعاتى بل إلى كهربائى".
لكن فى المقابل لا يزال وديع يثمن محاولات البعض فى اقتناء ساعة سويسرية حقيقية، معتبراً ذلك اعتزازا بالأصالة واستدعاءً للزمن الجميل، عندما تأتيه الآن مثل تلك الساعة يفرح مثل طفل ويحترم صاحبها كثيرا، إذ يرى أن الساعة فى أحيان كثيرة هى عنوان الرجل التى يمكن من خلالها معرفة ذوقه وطبيعة شخصيته، لكن فى أحيان أخرى تكون خادعة على حد قوله.
وديع الذى كان دائم الهروب من المدرسة الابتدائية كى يذهب إلى دكان خاله الساعاتى فى إحدى قرى الفيوم تعلم المهنة مبكرا وسافر فى صدر شبابه إلى القاهرة كى يزاولها.."جئت وعملت صبيا فى إحدى المحال الشهيرة فى منطقة العتبة منبع الساعات فى مصر، شاهدت الباشاوات والبهوات المحترمين وهم يأتون لإصلاح ساعاتهم الفخمة، كانت الساعة وقتها حكرا على الأثرياء وأبناء الطبقة الوسطى، وكنت أكسب عشرة جنيهات فى الشهر فقط، لكن الحياة كانت جميلة".
فتح وديع دكانه الخاص به قبل ثلاثين عاما وسط منافسة حامية وعدة دكاكين متجاورة انتهت الآن إلى أن أصبح دكانه هو الوحيد الباقى فى منطقته المزدحمة وربما إلى حين.
بعد محادثة قصيرة من زبون حول ساعة معطوبة انتهت بفشل الاتفاق حول السعر يعلق وديع "اتفضل يا سيدى".. هذا هو زبون اليوم الذى أصبح وجود الساعة فى حياته أوتوماتيكى وجامد، لكن الساعة فى الماضى – والكلام لوديع - كانت فى نظر صاحبها تحفة فنية يتعامل معها بحب ورفق كما لو كانت امرأة جميلة.
عمله فى المحلات الكبيرة سمح له بالتعامل مع كل ماركات الساعات الشهيرة" أوميجا" و"رولكس" و"جوفيال" وغيرها، كانت الساعة حينئذ مصدر متعته، إذ كان إصلاحها بمثابة تحدٍ يومى يعيشه عاشق العقارب، الانشغال بالتروس والآلات الدقيقة، الفك والتركيب والتنظيف، وبعدها تعاود الساعة السير فيقفز قلبه من الفرح.
يعيش وديع حياته بالساعة، يقدس الوقت رغما عنه فكل شيء بميعاد، ويكره من لا يحترم مواعيده كراهيته للساعات الصينية. ولا يطيق -رغم كل شىء- الابتعاد عن دكانه الصغير، فحتى الأعياد ومواسم الأجازات يفضل قضائها وسط ساعاته المتناثرة فى أدراج أمامه وتلك المعلقة على جدران دكانه.
مكسبه اليوم لم يعد مثل السابق، كان العمل فى الماضى منتعشا ودورته لا تكاد تنتهى، لكن الآن صار ما يكسبه الساعاتى العجوز من إصلاح الساعات ينفق معظمه على شراء المسكنات لعموده الفقرى المتعب لكنه يقبل يده بخشوع "الحمد لله على كل شىء.. رضا".
ورغم أن ابنه الوحيد تخرج قبل سنوات من معهد للإلكترونيات فى القاهرة، إلا أنه رفض على ما يبدو أن يعيش فى جلباب أبيه، مفضلا انتظار فرصة عمل مناسبة على الجلوس فى دكان صغير ومناكفة زبائن يتشاجرون حول إصلاح ساعة لا يتعدى ثمنها العشرة جنيهات!
لكن وديع فى النهاية لم يفقد الأمل فى عودة الأصالة والذوق الرفيع لمهنته واستعادة الساعة السويسرية لمكانتها، معتبرا أن الغزو الصينى بمنتجاته الرخيصة سيزول لا محالة لأنه فى النهاية وبحسب تعبيره "لا يصح إلا الصحيح".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.