مطالب بتسليم المكاتب السياحية لتعزيز الحركة الوافدة في الأقصر قبل ذروة الموسم الشتوي    تحديد مدة غياب محمد شريف عن المباريات مع الخليج    وصول درع الدوري الجديد لمقر اتحاد الكرة    النقل ترفع درجة الاستعداد القصوى بالسكك الحديد والمترو استعدادا لبدء العام الدراسي    احتفالية بمناسبة يوم الصداقة العالمي في المركز القومي لثقافة الطفل    وزير الاتصالات يشارك في قمة الأمم المتحدة للمستقبل بنيويورك    انقطاع المياه غدا عن 11 منطقة بمحافظة القاهرة.. تعرف عليها    تفاصيل لقاء السفير الياباني وجمعية الأعمال اليابانية (JBA) مع مصلحة الضرائب المصرية    مسئول استخبارات أمريكي: إسرائيل تجهز لعملية تفجير البيجر منذ 15 عاما    اليونيسيف: ارتفاع عدد النازحين بغزة ل1.9 مليون شخص    الخارجية الباكستانية: رئيس الوزراء سيشارك في الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    الحسناء الغامضة.. من هي كريستيانا بارسوني وعلاقتها بانفجار «بيجر» في لبنان؟    انطلاق قافلة دعوية إلي مساجد الشيخ زويد ورفح    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    مصر تفوز ب 8 ميداليات فى بطولة العالم للمواي تاي بتايلاند    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    تصل ل44.. هل تتكرر الظاهرة المناخية المتسببة في ارتفاع الحرارة خلال الخريف؟    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    أول بيان من «الداخلية» بشأن اتهام شيخ صوفي شهير بالتحرش    تشييع جثماني شقيقين صدمهما قطار الصعيد أثناء عبور القضبان في المنيا    ضبط 96 طن دقيق أبيض وبلدي خلال حملات على المخابز    وزير الإسكان يتابع استعدادات أجهزة مدن السويس وأسيوط وبني سويف الجديدة والشيخ زايد لاستقبال الشتاء    «تحرش ومواريث وأحوال مدنية».. «القومي للمرأة»: حل 27 شكوى ببني سويف    عمرو دياب يتألق في حفل أسطوري أمام الأهرامات.. صور    «الإفتاء» تحذر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم بالموسيقى: حرام شرعًا    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024 في المنيا    الهيئة العامة للرعاية الصحية: إطلاق ندوات توعوية في 6 محافظات ضمن مبادرة «بداية»    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم الجمعة (موقع رسمي)    طريقة عمل البرجر فى المنزل بمكونات آمنة    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    رئيس جامعة القاهرة يشارك في المؤتمر السنوي للرابطة الأوروبية للتعليم الدولي بفرنسا    شهداء ومصابون إثر استهداف سيارة بشارع البنات في بيت حانون شمال قطاع غزة    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة 20 سبتمبر    استقرار سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 20-9-2024 مقابل الجنيه المصري    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    دعاء يوم الجمعة للرزق وتيسير الأمور.. اغتنم ساعة الاستجابة    «ناس قليلة الذوق».. حلمي طولان يفتح النار على مجلس الإسماعيلي    جرس الحصة ضرب.. استعدادات أمنية لتأمين المدارس    «الخارجية الروسية»: الغرب تحول بشكل علني لدعم هجمات كييف ضد المدنيين    تحذير جديد من انتشار جدري القرود في إفريقيا.. خارج نطاق السيطرة    الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعًا وخيانة للأمانة (فيديو)    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: ارتفاع الأسعار ونداء عاجل للحكومة.. تصريحات الفيشاوي ونهاية تخفيف الأحمال    التوت فاكهة الغلابة.. زراعة رئيسية ويصل سعر الكيلو 40 جنيه بالإسماعيلية    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    لبنان: وصول رسائل مشبوهة مجهولة المصدر إلى عدد كبير من المواطنين    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياحة الدروع البشرية فى عربستان
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 02 - 2010

دخول القوات الأمريكية إلى بغداد فى ذلك اليوم المشئوم، 19 أبريل عام 2003، جعلت منى منظماً لرحلات سياسية-سياحية، أو ما يطلق عليه البعض بسياحة "الدروع البشرية"، إلى جانب كونى مدرساً للعلوم للسياسية فى جامعة أوروبية، وقد ساعدتنى وظيفتى كثيرًا دون استغلال لها، فقد كنت ومازلت أرى، أن الرأى والرأى الآخر لا يتوقف فقط على قاعات الدرس المحدودة بالجدران الأربع، ولا على فنجان القهوة الذى تتناوله مع الطلاب وزملاء المهنة والمهتمين بالشأن العربى، ولا الحديث العابر فى ممرات المعاهد والمكتبات الذاخرة بالرأى الآخر، ولا محاضرات التوعية التى لا تعد كونها دون مقابل، بل تعدتها لتصل إلى لقاء المسئولين راسمى السياسات وأبناء البلد فى البلاد المستهدفة والمعرضين للدمار فى كل وقت، وكلهم بالطبع فى المنطقة التى أنتمى إليها، والتى تسجل أدبيات الصراع -المتحيزة جدًا- عنها، كونها المنطقة التى نعيش فيها على بترول الغرب، فإن لم نكن بالقادرين على حماية بترولهم، بالإضافة إلى ضمان أمن إسرائيل لهم، فلديهم القدرة على التدخل السريع والبطىء، واختراع الأكاذيب المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية وحيازة أسلحة الدمار الشامل من بيولوجى إلى كيمائى وذرى، كما فى حالة صدام العراق.
وكان مجموع الكذب المقصود والمفضوح جدًا الذى روج له كل من بوش الابن وبلير والمعارضة الألمانية المتمثلة فى السيدة ميركل وقتها عن علاقة صدام بالقاعدة وخطره على سلام وأمن العالم بحيازته على كل ما هو ممنوع من الأسلحة، وهو الموضوع الذى لم يطرح للبحث بعد، كان يحرضنى وبشدة على منعهم من الوصول إلى الهدف التالى - سوريا – وكنت ومازلت أتمسك بعبارة الثوار فى الحرب الأهلية الأسبانية وأضعها شعارًا لى، وهى "لن تمروا"، فما تعرض له العراق ونعايشه من مهازل، قصد منها كذبة "حفظ سلام العالم" ليكون مدخلاً للديمقراطية - على طريقتهم لا الطريق الثالث- فى هذا البلد العربى الأصيل، وتنفيذها فيه بأموال بتروله، أو بترولهم كما كانوا يقصدون، كمثال مرسوم بحذاقة مهنية لكل المنطقة ليتحول العراق معها إلى ثلاث دويلات متناحرة ضعيفة أو أكثر من أجل عيون أمن إسرائيل، وليتحول البترول العراقى إلى كارثة على أهله تفوق ما كان من صدام والبعث، والدليل واضح.
ومن هنا بدأت زياراتى مع طلابى وزملائى لسوريا، رغم ما قيل ويقال عنها، لنضع وببساطة شديدة جدًا إطارًا بديلاً للعلاقات بين الأفراد والدول لا يعتمد على مفهوم القوة فى حل المشاكل بينها، بل يعتمد على النزول من على دبابة القهر والخديعة والموت للحوار مع البسطاء، حكامًا ومحكومين، فرغم قهر حكامنا لشعوبنا، إلا أنهم منا أولاً وأخيرًا، وحضهم على الحوار معنا (لا معهم هم) هو بداية التغيير، فهذا التغيير لابد وأن يكون سلميًا أولاً، ومن داخل المنطقة ثانيًا، ولصالح أهلها ثالثًا ورابعًا وخامسًا وأخيرًا. فإن كان التغيير أولاً لصالح أهل المنطقة، وهو ما يجب أن يكون، فسوف يستفيد منه الجميع بما فيهم الجيران بالتأكيد، ولكن ليس علينا بالضرورة أن نغير فقط من أجل حفظ أمن الجيران وسلامتهم قبل سلامتنا، فنحن نريد أن نغير لأن التغيير يلزمنا ويلزم مستقبل أولادنا ومستقبل هذه الأرض التى آن لأولادها أن يستريحوا عليها لا تحتها فقط.
وأن كانت كل هذه الزيارات قد تمت منذ غزو العراق وبنجاح بالغ، إلا أنى كنت الوحيد الذى عليه أن يتحمل من المتاعب ما يفوق طاقة البشر. فالعقبة الأولى تمثلت فى تخطى، أنا العربى، لحاجز الأمن عند الوصول إلى مطارات شرقستان وغربستان وجنوبستان وأخص بالذكر مطار دولة ذل ستان، فالعربى مطلوب فى كل المطارات العربية، وها هو ضابط الحدود فى مطار دمشق يجد لى جريمة مسجلة، ارتكبتها، كما قال لى، منذ تسع سنوات تم على أثرها ترحيلى نهائيًا من البلاد، ولم تفلح شروحاتى بأنى لم أزر سوريا فى حياتى، ولم أخط دمشق الشام إلا فى أجمل أحلام المنام مع حكايات ألف ليلة وليلة، لتستمر المهزلة لساعات بين شد وجذب، ليسألنى طلابى والزملاء عما تكون المشكلة، لأقول لهم، إنى وفى حياة سابقة لى وبعد أن كنت حلاقًا فى بغداد أصبحت لصًا فى دمشق ومزورًا ومرحلاً عنها، لا يحق لى دخولها إلا جسدًا فى صندوق، كما فى حالة نزار. ومع الزيارة الثانية لدمشق العظيمة، علمت أن ما حدث معى كان بمثابة "الشَّدَة" لكل جديد، والذى عليه الصبر لتخطى الامتحان ولدخول الجنة بتسليم صكوك الغفران، وهذا ما كان، ففى الزيارات التضامنية اللاحقة لنا لها، كانت تفتح لنا صالة كبار الزوار وتقدم لنا المرطبات من كبار المسئولين ليجرى الحوار البالغ النجاح مع الدقيقة الأولى للزيارة لينتهى فى نفس المكان وبالتوديع من أصدقاء لأصدقاء على أمل اللقاء.
وهذا ما حاولت أن أكرره مع عدد من طلابى والزملاء لمصرنا العزيزة، لتكون واقعة "الشَّدَة" المتوقعة كالعادة أكثر وطأ على النفس من كل شدات مطارستان الأخرى المعروفة، وإن كانت شَدَة مطار القاهرة قد تحسنت عما كانت عليه سابقًا، فقديمًا كان دفتر المطلوبين والمنتظر وصولهم، مثلى، يتصفح يدويًا من أشخاص تبدو عليهم ملامح التشفى الواضح للعيان بالوصول إلى الأسماء المقصودة، لتدار بعدها محادثاتهم التليفونية مع الأجهزة، وليسمع المنتظر – مثلى أيضًا - لعبارات محفوظة منا عن ظهر قلب، مثل، "مين يا فندم، قسم مكافحة الشيوعية"، "الشيوعية فى لاظوغلى"، "أبعته لسعادتكم دلوقت"، "مش عاوزه سعادتك دلوقت، طب بس عنوانه فسكندرية"، تليها سماع العبارة الأبدية، "دا تشابه فى الأسماء، كلها خمس دقائق وتخلص، انتظر حضرتك شوية هنا على جنب!".
ولكن فى هذه المرة كان معى عشرون ضيفًا، شاهدين على المأساة، لتبدأ المسرحية الساقطة بقيام ضابط الشباك بتمرير الجواز إلى السيدة عاملة الشباك الجالسة خلفه، لتقوم هى بالفرز بالكمبيوتر الموجود عن بعد أمتار عدة، ليصل الجواز منها بعدها إلى يد مساعد شرطة ينظر لك بنظرة معروفة للجميع، ليأمرك معها بالمضى معه إلى "خن" جانبى تتجمع فيه كتلة بشرية من المسئولين المتشحين بسواد الزى الرسمى المضاء الأكتاف بصف من النجوم والصقور والسيوف المتقاطعة، ليقوم واحد منهم بالكشف على الجواز مع النظر خلسة إلى حضرتك، ليسألك مرة أخرى عن محل الإقامة، وليكتب عدة أسطر لا تحتاج إلى تخمين ماهيتها، فهى لا تختلف عما كان يقال أيام الفرز اليدوى، ليسلم الجواز بدوره إلى نفس المساعد ليسحبك كواحد من قطيع غنم إلى نفس الشباك، ليتضح بعدها أن الضابط قد وقع فى جواز السفر الخاص بحضرتى بالترحيل/ المغادرة بدلاً من التصريح بالدخول، ليجرى البحث عن حضرته، حيث إنه كان "فى راحة وراح يشرب سيجارة وجاى"، ليغير رئيسه ذو الأكتاف الأكثر لمعانًا الختم من الترحيل والمغادرة إلى دخول الجنة وبئس المصير، لتنادى عليك نفس الشخصية وبصوت بالغ القوة، وأنت واقف وسطهم، لتأخذ جوازك كمنحة وإكرامية، ولتصحبك أخيرًا الابتسامات المنتظرة لشىء لا يصعب عليك تخمينه أيضًا (قد تكون تعنى "حلاوة الوصول")، ولتجد ابتسامات أخرى أعرض من الأولى من مرافقيك الأوروبيين، وليسأل البعض منهم عما تم فى الدقائق الطوال هذه، لترد بالصمت ثم الصمت حتى لا أفسد عليهم متعة الوصول إلى جنتى، ولكنى كنت أخص نفسى بالحزن على نفسى - وهذا حقى على، وهو ما جرى تعويضه بلقاءات منظمة جرت أثناء الزيارة، منها لقاء "اليوم السابع"، والتى سأعرض له فى مقال لاحق.
محاضر فى العلوم السياسية فى جامعة انسبروك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.