السحابة السوداء، هذا الذيل الأسود فى رداء كل عام على مدار شهرى الربيع والشتاء، ظهرت أمس بكثافة لتكسو سماء القاهرةوالمحافظات. هذا الشبح الأسود الذى يشكل هاجسا لكل المصريين مع بداية شهرى سبتمبر وأكتوبر، ويصنع 60 يوما طوارئ على مستوى أجهزة الدولة فى وزارتى البيئة والزراعة والصحة، لم يكن وليد العصر الحديث، كما يردد البعض ولم يكن التطور الصناعى وحده السبب فى ظهوره، أو حرق قش الأرز فقط وراءه فظاهرة السحابة السوداء، من الظواهر الطبيعية التى لم تكن وليدة اليوم وإنما أكد التاريخ أنها توجد فى مصر منذ أكثر من 600 عام، ورصدها العديد من المؤرخين خلال وصفهم لمدن وقرى مصر وأقاليمها منذ القرون الوسطى. هذا الوصف هو نفسه ما سنجد عليه القاهرة الكبرى، فى ذروة الفترة التى تظهر فيها السحابة السوداء مع بداية موسم الحصاد لقش الأرز، ومع تعاقب المراحل الزمنية فى مصر والحقب التاريخية بدأت تكون محل دراسات وأبحاث وجدل حولها، حيث عرفها الباحثون البيئيون بأنها ظاهرة تحدث فى دلتا مصر متضمنة القاهرة حيث يقوم المزارعون بحرق قش الأرز بعد موسم الحصاد، وبالإضافة للتلوث الناتج عن عوادم السيارات والمصانع، تغطى مصر هذه السحابة السوداء ويزيد نسبة التلوث 10 مرات عن المعدل الطبيعى. وبدورها أكدت كوثر حفنى مسئول غرفة العمليات المركزية لرصد الهواء بوزارة البيئة، أن نسبة التلوث هذا العام زادت بنسبة 50% عن العام الماضى بسبب فعل الرياح والظروف المناخية. ونوهت حفنى أن القاهرة فى الليل ترتفع فيها درجة السخونة باستثناء أطرافها من الخارج بفرق حرارة درجتين أو 3، حيث إن الهواء الدافئ يصعد لأعلى ويسحب الحرارة من الجوانب. ومن جهته قال الدكتور أحمد أبو السعود رئيس جهاز شئون البيئة إن هناك عدة عوامل جوية تساعد على تركيز الملوثات وتسبب بقاءها قريبة من الأرض فى منطقة القاهرة الكبرى، مثل الرياح وتغير درجات الحرارة، ثم الطبيعة الطبوغرافية للقاهرة والتى تؤدى إلى حبس الملوثات وتحدد حركة الجسيمات العالقة فى الهواء، إضافة إلى مصادر التلوث من داخل القاهرة أو تحملها الرياح الخفيفة من المحافظات المجاورة، مثل المركبات التى تعمل بالبنزين والسولار وصناعة المسابك والحديد والصلب ومصانع الأسمنت ومصادر حرق المازوت بمحطات الكهرباء وحرق المخلفات الصلبة والقمامة والمخلفات الزراعية. وأكد أبو السعود أنه غالبا ما تحدث هذه النوبات فى الشتاء وبداية الربيع عندما تتحول الرياح، وتأتى من الاتجاهات الجنوبية.. وتحمل هذه الرياح الملوثات الصادرة عن مصانع الأسمنت والطوب والمصانع الأخرى بحلوان والتبين، ما يزيد من التلوث الموجود بالفعل فى القاهرة. وفى سياق متصل وضعت وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة البيئة بروتوكولات عدة للتخلص من قش الأرز، وكيفية جمعه والاستفادة منه فى صناعات كادت أن تغلق فى مصر، فمنها صناعة السماد العضوى والورق، حيث إن خبراء البيئة يؤكدون أنه يمكن استعمال قش الأرز كعلف للماشية أو كسماد طبيعى أو فى صناعة الورق، وعلى الرغم من استعداد المزارعين لإعادة تدوير القش إلا أن المشكلة تكمن فى عدم وجود مكابس كافية على مستوى المحافظات مقارنة بكميات الأرز التى يتم زرعها سنويا. وبدوره كشف الدكتور خالد فهمى وزير البيئة، أن هذا العام سيشهد سحابة سوداء أكثر من العام الماضى، قائلا المسألة ليست حرق قش أرز فقط، لكن المناخ ليس فى مصلحتنا، موضحا أن المساحة المنزرعة بالأرز بمحافظاتالقاهرة والشرقية والغربيةوالدقهلية قلت عن العام الماضى، حيث بلغت عام 2013 نحو 835845 فدانا، بينما فى 2014 وصلت إلى 814767 فدانا. وأعلن الوزير أن حصاد الأرز بلغ فى النصف الأول من سبتمبر عام 2013 نحو 99 ألف فدان، بينما بلغ فى ذات التوقيت العام الجارى نحو 77 ألف فدان، وتم تجميع نحو 7871 طن قش أرز حتى الآن، كانت أكثرها من خلال وزارة الزراعة وشركة إيكارو. وأضاف الوزير أنه ارتفعت نسبة المحاضر التى تم تحريرها لمخالفات حرق قش الأرز عن نفس الفترة من عام 2013، خاصة فى محافظاتالقاهرة والشرقية والدقهلية، بينما قلت فى محافظة الغربية. وكشف الوزير قائلا "إن هناك عاملا آخر يحكم حالة ظهور السحابة السوداء، بخلاف حرق قش الأرز"، حيث إن القمر الصناعى للدلتا يرصد الكميات المحروقة وأماكنها وقياس نسب تلوث الهواء فيها مرتين يوميا، المرة الأولى العاشرة صباحا والثانية الخامسة عصرا، مشيرا إلى أن محافظة كفر الشيخوالدقهلية بدأتا الحرق مبكرا لأنهما بدآ الحصاد أول شهر سبتمبر، فعند مقارنة فترة من 1 إلى 13 سبتمبر عام 2013 بنفس الفترة هذا العام سنجد أن الرياح فى 2013، هناك 10% منها رياح ساكنة و90% معتدل ونشط، أما هذا العام فالرياح الساكنة وصلت إلى 39% والنشطة 60% فالمناخ ليس فى مصلحتنا. وأضاف الوزير أن هناك مسببات أخرى لزيادة السحابة السوداء هذا العام، منها حرق المازوت فى محطات الكهرباء وليس غاز وهذا سيسبب انبعاثات كبريتية أكثر، والملوثات الأخرى من عوادم السيارات والمصانع والكهرباء وحرق قش الأرز إضافة لسكون الرياح كل هذا سيؤدى لظهور السحابة هذا العام بمنتهى الوضوح. وفيما يخص تخفيف حرق قش الأرز، قال الوزير إنه يتم منع الحرق من خلال مشاركة المزارعين فى الاستفادة من قش الأرز فى عمل علف ومشاركة التعاونيات فى الجمع ومشاركة القطاع الخاص فى الجمع من بعد الحصاد بأسبوع. وأكد فهمى أن الوزارة تحاول إدخال مفهوم جديد وهو "متعهد المخلفات الزراعية" للاستفادة منها وعدم اللجوء إلى حرقها حفاظا على البيئة، لافتا إلى أن القانون الحالى يسمح لأى مواطن بالإبلاغ عن أى مخالفات بيئية، مضيفا أن اختفاء السحابة السوداء من سماء القاهرة. وأوضح الوزير قائلا "إن الوزارة ستواجه تكون السحابة بوقف عمل مكامير الفحم خلال الفترة الحالية، حتى لا تزيد نسبة التلوث بشكل كبير مع حرق قش الأرز" وأنه لابد أن يتعاون المزارعون مع الوزارة، ويمتنعون عن حرق قش الأرز، وناشدهم تجميعه لتدويره واستغلاله فى الصناعة. موضوعات متعلقة بالصور.. السحابة السوداء تغطى سماء المحافظات.. 620 بلاغا أمام النيابة بسبب حرق "قش الأرز" بالشرقية.. وتسجيل حالات لمرضى الربو بطنطا والمحلة.. وفلاحو الدقهلية والبحيرة يستغلون إجازة العيد لحرق المخلفات