تمر اليوم، الذكرى السادسة لرحيل شاعر المقاومة الفلسطينية "محمود درويش" حيث توفى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم السبت الموافق 9 أغسطس 2008 بعد إجراءه لعملية القلب المفتوح ودخل بعدها فى غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء فى مستشفى "ميموريال هيرمان" نزع أجهزة الإنعاش بناء على توصيته. ول"محمود درويش" له العديد من القصائد التى يمتزج فيها القارئ بمشاعر الحب إن كان قلبه خاليا وتزيد اشتياقه ونار حبه إن كان داخل معترك الحب، واليوم ونحن نعيش ذكراها ينشر "اليوم السابع" عددًا من أشهر قصائده. ريتا بين ريتا وعيونى.. بندقية والذى يعرف ريتا، ينحنى ويصلى لإله فى العيون العسلية .. وأنا قبَّلت ريتا عندما كانت صغيرة وأنا أذكر كيف التصقت بى، وغطت ساعدى أحلى ضفيرة وأنا أذكر ريتا مثلما يذكر عصفورٌ غديره آه... ريتا بينما مليون عصفور وصورة ومواعيد كثيرة أطلقت ناراً عليها.. بندقية اسم ريتا كان عيداً فى فمى جسم ريتا كان عرساً فى دمى وأنا ضعت بريتا.. سنتين وهى نامت فوق زندى سنتين وتعاهدنا على أجمل كأس، واحترقنا فى نبيذ الشفتين وولدنا مرتين آه.. ريتا أى شىء ردَّ عن عينيك عينىّ سوى إغفاءتين وغيوم عسلية قبل هذى البندقية كان يا ما كان يا صمت العشيّة قمرى هاجر فى الصبح بعيداً فى العيون العسلية والمدينة كنست كل المغنين، وريتا بين ريتا وعيونى.. بندقية فرحا بشىء ما فرحا بشىء ما خفى، كنْت أَحتضن الصباح بقوَّة الإنشاد، أَمشى واثقا بخطاى، أَمشى واثقا برؤاى، وَحْى ما ينادينى: تعال! كأنَّه إيماءة سحريَّة، وكأنه حلْم ترجَّل كى يدربنى على أَسراره، فأكون سيِّدَ نجمتى فى الليل.. معتمدا على لغتى. أَنا حلْمى أنا. أنا أمّ أمِّى فى الرؤى، وأَبو أَبى، وابنى أَنا. فرحا بشىء ما خفى، كان يحملنى على آلاته الوتريِّة الإنشاد. يَصْقلنى ويصقلنى كماس أَميرة شرقية ما لم يغَنَّ الآن فى هذا الصباح فلن يغَنٌى أَعطنا، يا حبّ، فَيْضَكَ كلَّه لنخوض حرب العاطفيين الشريفةَ، فالمناخ ملائم، والشمس تشحذ فى الصباح سلاحنا، يا حبُّ! لا هدفٌ لنا إلا الهزيمةَ فى حروبك.. فانتصرْ أَنت انتصرْ، واسمعْ مديحك من ضحاياكَ: انتصر! سَلِمَتْ يداك! وَعدْ إلينا خاسرين.. وسالما! فرحا بشىء ما خفى، كنت أَمشى حالما بقصيدة زرقاء من سطرين، من سطرين.. عن فرح خفيف الوزن، مرئى وسرِّى معا مَنْ لا يحبّ الآن، فى هذا الصباح، فلن يحبَّ! درس من كاما سوطرا بكأس الشراب المرصّع باللازرود انتظرها، على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا انتظرها، بصبر الحصان المعدّ لمنحدرات الجبال انتظرها، بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف انتظرها، بنار البخور النسائى ملء المكان انتظرها، برائحة الصندل الذكرية حول ظهور الخيول انتظرها، ولا تتعجل فإن أقبلت بعد موعدها فانتظرها، وإن أقبلت قبل موعدها فانتظرها، ولا تُجفل الطير فوق جدائلها وانتظرها، لتجلس مرتاحة كالحديقة فى أوج زينتها وانتظرها، لكى تتنفس هذا الهواء الغريب على قلبها وانتظرها، لترفع عن ساقها ثوبها غيمة غيمة وانتظرها، وخذها إلى شرفة لترى قمراً غارقاً فى الحليب انتظرها، وقدم لها الماء، قبل النبيذ، ولا تتطلع إلى توأمى حجل نائمين على صدرها وانتظرها، ومسّ على مهل يدها عندما تضع الكأس فوق الرخام كأنك تحمل عنها الندى وانتظرها، تحدث إليها كما يتحدث ناى إلى وتر خائف فى الكمان كأنكما شاهدان على ما يعد غد لكما وانتظرها ولمّع لها ليلها خاتما خاتما وانتظرها إلى ان يقول لك الليل: لم يبق غيركما فى الوجود فخذها، برفق، إلى موتك المشتهى وانتظرها كمقهى صغير هو الحب كمقهى صغير على شارع الغرباء هو الحبّ... يفتح أَبوابه للجميع كمقهى يزيد وينقص وَفْق المناخ: إذا هَطَلَ المطر ازداد روَّاده، وإذا اعتدل الجوّ قَلّوا ومَلّوا.. أَنا هاهنا يا غريبة فى الركن أجلس ما لون عينيكِ؟ ما اَسمك؟ كيف أناديك حين تمرِّين بى، وأَنا جالس فى انتظاركِ؟ مقهى صغيرٌ هو الحبّ. أَطلب كأسى نبيذ وأَشرب نخبى ونخبك. أَحمل قبَّعتين وشمسيَّة. إنها تمطر الآن تمطر أكثر من أى يوم، ولا تدخلينَ أَقول لنفسى أَخيرا: لعلَّ التى كنت أنتظر انتظَرتْنى.. أَو انتظرتْ رجلا آخرَ انتظرتنا ولم تتعرف عليه/ على، وكانت تقول: أَنا هاهنا فى انتظاركَ. ما لون عينيكَ؟ أَى نبيذٍ تحبّ؟ وما اَسمكَ؟ كيف أناديكَ حين تمرّ أَمامى كمقهى صغير هو الحب لا تتركينى وطنى جبينك، فاسمعينى لا تتركينى خلف السياج كعشبة برية، كيمامة مهجورة لا تتركينى قمرا تعيسا كوكبا متسولا بين الغصون لا تتركينى حرا بحزنى واحبسينى بيد تصبّ الشمس فوق كوى سجونى، وتعوّدى أن تحرقينى، إن كنت لى شغفا بأحجارى بزيتونى بشبّاكى.. بطينى وطنى جبينك، فاسمعينى لا تتركينى ليلٌ يفيض من الجسد ياسمينٌ على ليل تمّوز، أغنيّةٌ لغريبين يلتقيان على شارعٍ لا يؤدّى إلى هدفٍ.. من أنا بعد عينين لوزيّتين? يقول الغريب من أنا بعد منفاك فى? تقول الغريبة إذن، حسنًا، فلنكن حذرين لئلا نحرّك ملح البحار القديمة فى جسدٍ يتذكّر.. كانت تعيد له جسدًا ساخنًا، ويعيد لها جسدًا ساخنًا. هكذا يترك العاشقان الغريبان حبّهما فوضويًّا، كما يتركان ثيابهما الداخليّة بين زهور الملاءات.. - إن كنت حقًا حبيبى، فألّف نشيد أناشيد لى، واحفر اسمى على جذع رمّانةٍ فى حدائق بابل.. - إن كنت حقًا تحبّيننى، فضعى حلمى فى يدى. وقولى له، لابن مريم، كيف فعلت بنا ما فعلت بنفسك، يا سيّدى? هل لدينا من العدل ما سوف يكفى ليجعلنا عادلين غدًا? - كيف أشفى من الياسمين غدًا؟ - كيف أشفى من الياسمين غدًا؟ يعتمان معًا فى ظلالٍ تشعّ على سقف غرفته: لا تكن معتمًا بعد نهدى - قالت له.. قال: نهداك ليلٌ يضىء الضرورى نهداك ليلٌ يقبّلنى. وامتلأنا أنا والمكان بليلٍ يفيض من الكأس.. تضحك من وصفه. ثم تضحك أكثر حين تخبّئ منحدر الليل فى يدها.. - يا حبيبى، لو كان لى أن أكون صبيًّا.. لكنتك أنت - ولو كان لى أن أكون فتاةً لكنتك أنت!.. وتبكى، كعادتها، عند عودتها من سماءٍ نبيذيّة اللون: خذنى إلى بلدٍ ليس لى طائرٌ أزرقٌ فوق صفصافة يا غريب! وتبكى، لتقطع غاباتها فى الرحيل الطويل إلى ذاتها: من أنا؟ من أنا بعد منفاك فى جسدى؟ آه منّى، ومنك، ومن بلدى - من أنا بعد عينين لوزيّتين؟ أرينى غدي!.. هكذا يترك العاشقان وداعهما فوضويًّا، كرائحة الياسمين على ليل تمّوز.. فى كلّ تمّوز يحملنى الياسمين إلى شارع، لا يؤدّى إلى هدفٍ، بيد أنى أتابع أغنيّتى: ياسمينٌ على ليل تمّوز