إذا كان دور الأسرة والمدرسة فى تكوين شخصياتنا يمثل أكثر قليلا من 50 بالمائة.. فإن دور الإعلام يمثل الباقى منها. دعونا نتفق على ذلك فى البداية.. الإعلام فى العالم كله لم يعد وربما لم يكن أبدا محايدا.. فما يراه الإعلام الأمريكى مثلا وما يذيعه ويكرره، ويؤكد عليه أمام العالم أجمع ليس ما نراه نحن ولا نستطيع التأكيد عليه من لا يملك إعلاما قويا لا يملك حقا واضحا. الإعلام الأمريكى لا يرى مئات الفلسطينيين من أطفال ونساء ورجال يقتلون يوميا بسلاح إسرائيل بينما يرى جندى إسرائيلى مخطوف وبضع عشرات مقتولين وحق دولة فى الدفاع عن أمنها وسلامة أراضيها، رغم الفارق الشاسع بين تسليح الجيشين.. هكذا يربى هؤلاء أطفالهم . فى الماضى كانت السينما حرة فيما تقدم من قصص لأن عدد رواد السينما كان قليلا بالمقارنة بمشاهدى التليفزيون وعند إذاعة الفيلم فى التليفزيون سوف يدخل تحت مقص الرقيب الذى سوف يهذبه ليتناسب مع حرمة البيوت. أما الآن فالرقيب لم يعد موجودا وأصبحت الرسالة ذات الطرف الواحد التى يرسلها مؤلف ومخرج وأبطال المسلسلات والأفلام لا تخضع لأحد. خطورة ذلك أننا كآباء وأمهات أصبحنا نترك أطفالنا فى كل سن أمام التليفزيون وحدهم دون تدخل منا لمنع أو حتى مجرد تفسير ما يشاهدون.. وبالتالى أصبحت شخصياتهم تتشكل بعيدا عنا بل وأصبحنا لا نستطيع منعهم من مشاهدة ما يريدون والأخطر أننا أنفسنا قد انسقنا وراء هذه المسلسلات دون وعى لمحتوى الرسالة التى تقدمها لنا ولهم. الإعلام يربى الأجيال.. ولنرى أمثلة لمسلسلات رمضان هذا العام والتى اتفقت فيما بينها على محاور عديدة, منها أن السجون عبارة عن أماكن ترفيهية قد تكون أفضل قليلا من الحرية، إن بعض القنوات الفضائية تمولها شبكات دعارة دولية، إن العلاقات النسائية الكثيرة ليست عيبا ولا حراما.. إن المال أهم من العرض والأسرة والصداقة والدين وأرواح الآخرين.. إن الظلم قد ازداد لدرجة لم يعد يجدى فيها قانون ولا سند ولا دولة. وإن من حق كل مظلوم أن يأخذ حقه بيديه ولو أدى ذلك لقتل من ظلمه. والأكثر خطورة أن المشاهد قد استمتع كثيرا بالانتقام والقتل وكأن ذلك متوقعا ومنطقيا بل ومطلوبا مثال ذلك مسلسل ابن حلال ومسلسل سجن النسا ومسلسل دكتور أمراض نسا وغيرها.. أما فى مسلسل الوصايا السبع فقد كان القتل مطلوبا وممتعا بدون سبب منطقى ولكن للطمع فى أموال أب قتله أولاده. فى أول محاضرة تنمية بشرية بعد عيد الفطر تناقشت مع الشباب وهم ما بين ابتدائى لإعدادى وثانوى.. كانت المشكلة أنهم أجمعوا على أن القتل فى تلك المسلسلات مبررا تماما ومقبولا اجتماعيا ودينيا وليس لديهم اى مشكلة فى قبول ما حدث وهذا بالطبع تمهيدا لتكراره إذا ما تعرض أى منهم لما شاهده وترسخ فى ذهنه وشخصيته .. هكذا نربى نحن أطفالنا. ولعل الطفل ذو السنوات الأربع الذى قابلته فى العيد لخص كل ما سبق فى جملة واحدة رد بها على والدته حين سألته عن الهدية التى يريدها فى العيد فقال بكل حماس وبراءة: عايز مسدس زى حبيشة.