سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مافيا الأراضى تستولى على 6 ملايين متر من ملاحات المكس.. سعر ردم الفدان 50 ألفا.. و1500 جنيه ثمن المتر... ومافيا الأراضى تلجأ لرفع دعاوى قضائية لإطالة فترة النزاع على الأرض
مقسومة من المنتصف بالطريق الدولى... تحاصرها المصانع والمساكن من كل الاتجاهات... مردومة من الأطراف حتى تقلصت مساحتها لصالح مافيا الاستيلاء على الأراضى التى سرقت ما يقرب من 6 ملايين متر مربع من المساحة الإجمالية لأرض شركة المكس للملاحات بمنطقة غرب الإسكندرية والتى تبلغ مساحتها نحو 39 مليون متر مربع عن طريق ردمها ثم تقسيمها ثم إعادة بيعها بأضعاف أسعارها. هنا فى أم زغيو التابعة لحى العجمى بالمنطقة الواقعة غرب الإسكندرية ما بين ملاحات المكس وطريق إسكندرية الصحراوى غربا وطريق العجمى إسكندرية مطروح شمالا، فالمنطقة المعروفة عنها اشتغال قاطنيها بتجارة الأخشاب نظرا لقربها من ميناء الدخيلة تعتبر من المناطق الحاضنة لملاحة المكس. لجأت مافيا الاستيلاء على الأراضى إلى الأجهزة التنفيذية لردم أرض الملاحة القائمة منذ ما يقرب من 220 عاما والاستيلاء عليها من خلال عدة ثغرات نفذت منها ومازالت، فمن خلال تخصيص مساحات من الملاحة بقرار من محافظة الإسكندرية سواء لشركات أو لأفراد بالمخالفة للقانون وأيضا تخصيص بقرارات من جهات سيادية لإنشاء الطريق الدولى الساحلى «محور التعمير» وأخيرا من خلال تزوير عقود بيع وشراء لأراضى الساحل اليابس الملاصق لشاطئ الملاحة باعتبارها ملكية خاصة أو أملاكاً تابعة لهيئة الأوقاف ومن هنا تاهت ملكية الأرض، وهى الثغرة التى مازالت تستغلها المافيا. مسلسل ردم ملاحة المكس بدأ منذ منتصف التسعينيات وبلغت المساحات التى تم التعدى عليها بقرار تخصيص من محافظة الإسكندرية نحو 680 فدانا بما يوازى 2.8 مليون متر مربع حيث قامت المحافظة بإصدار قرار تخصيص لشركة إسكندرية للبترول بمساحة 332 فدانا، وقرار بتخصيص 60 فدانا لشركة النصر للمسبوكات، وقرار تخصيص لشركة الإسكندرية للحديد والصلب بمساحة 108 أفدنة، وقرار سيادى بتخصيص مساحة 177 فدانا لإنشاء الطريق الدولى الساحلى. قرارات تخصيص محافظة الإسكندرية لم تتوقف عند الشركات لكنها وصلت إلى حد تخصيص نحو 100 فدان لكل من عضو مجلس الشورى الأسبق عبدالعال الصغير ورجل الأعمال رشاد عثمان أحد رموز الحزب الوطنى المنحل والصديق المقرب من الرئيس السادات، بما يوازى نحو 420 ألف متر لهما، تخصيص المحافظة «لعثمان» و«الصغير» فتح الباب على مصراعيه لمافيا الاستيلاء على أراضى الملاحة لتمارس نشاطها بردم الملاحة وبيعها وخصوصا أن تلك المنطقة يندر بها الأراضى، فارتفعت المساحة من نحو نصف مليون متر مربع إلى نحو 3.7 مليون متر نتيجة استحداث حيل جديدة من أفراد تلك المافيا إما بقرارات تخصيص وهمية أو ادعاء ملكية الأرض ومن هنا بدأ النشاط. مرت عملية ردم أرض الملاحة بعدة مراحل فالأولى كانت قبل الثورة حيث استغل رجال محسوبون على الحزب الوطنى المنحل سطوتهم ونفوذهم لردم الملاحات وتزايدت تلك العمليات بعد ثورة يناير حيث استغل البدو المقيمون حول الملاحات فترة الانفلات الأمنى فقاموا بشراء مساحات من الشريط الملاصق للملاحة وتحرير عقود بيع ابتدائية بمساحة فدان واحد بسعر لا يتجاوز 5 آلاف جنيه باعتبارها أرض ملكية خاصة، ثم «تسوير» الأرض المبيعة من خلال إنشاء أسوار من ثلاث جهات بارتفاع 6 أمتار يخفى عن المارين من الشارع ما يحدث خلفها. خلف الأسوار تبدأ عملية الردم الممنهجة بالاتفاق مع أفراد أمن الملاحة «الخفراء» الذين يحددون بدورهم الوقت المناسب لبدء عملية الردم من خلال مراقبة العمل داخل الملاحة، ليبدأ أصحاب الأرض الجدد فى تجهيز مقطورات الهد ومخلفات المنازل والمبانى التى يحصلون عليها مجانا من أصحاب تلك المنازل مقابل التخلص من مخلفاتهم، بالإضافة الى تراب المحاجر الذى يصل سعر المقطورة الواحدة منه نحو 500 جنيه، والتى يحتاج الفدان الواحد منها إلى نحو 100 مقطورة بحسب عمق مياه المنطقة التى يتم الردم فيها، وتتراوح تكلفة ردم الفدان الواحد ما بين 30 و 50 ألف جنيه ليبدأ فى استخدامها بشكل طبيعى كمخازن للأخشاب أو أن يتم تقسيمها وعرضها للبيع بالمتر الذى وصل سعره خلال الأيام الأخيرة إلى نحو 1500 جنيه للمتر وهو سعر مبالغ فيه نظرا لقلة الأراضى الموجودة فى تلك المنطقة. «تسبب انشغال الأجهزة الأمنية بالحرب ضد الإرهاب بعد 30 يونيو فى تزايد الهجمة الشرسة ضد ملاحات المكس»، كما يقول رئيس الشركة الكيمائى أسامة عبدالعزيز، ويضيف: يستند هؤلاء فى ذلك إلى قوة السلاح والنفوذ الآن أصبح فى حوزة مالكى الأرض الجدد فدانان أحدهما تم شراؤه والآخر تم ردمه وهو ما لا يكفى سواء للبيع أو لاستغلاله كمخزن للخشب وهو ما يجعلهم يقومون بردم المزيد من الأفدنة لصالح مالك واحد فقط وهو ما حدث مع رشاد عثمان رجل الأعمال المحسوب على الحزب الوطنى المنحل الذى وصلت ملكيته لأرض داخل حدود الملاحة إلى نحو 300 فدان بعد أن كان المخصص له فقط 50 فدانا بقرار من المحافظة بالمخالفة للقانون، وهو ما جاء فى الشكوى التى قدمها فايز علوانى رئيس اللجنة الشعبية بمنطقة أم زغيو، معللا ذلك بردم أحواض الملح خلف مخازن الأخشاب، مضيفا: هناك مافيا كبيرة من أصحاب النفوذ والسطوة تخصصت فى الاستيلاء على أراضى الدولة فوضعت أيديها على مئات الأفدنة، وقاموا بتحرير عقود مزورة أهدرت حقوق الدولة الصامتة على تلك المهزلة. ويتابع علوانى: لم يكتف هؤلاء بشراء الأراضى وردمها لكنهم يقومون برفع دعاوى قضائية وبسبب بطء التقاضى يمكنهم من تنفيذ مخططاتهم فى تقسيم الأرض وبيعها وهو ما يفرق دم الأرض بين أشخاص عديدة. ويكمل: إظهار عدة عقود تفيد ملكية الأرض سواء باعتبارها ملكية خاصة لأفراد أو تتبع هيئة الأوقاف أو أملاك دولة يرخص من سعر الفدان ويطيل من أمد التقاضى حتى تضيع حقوق الدولة فى أرض ملاحات المكس ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة لمصر. ويضيف شعبان علوانى: يساعد أفراد الأمن «خفراء الملاحة» أصحاب شوادر تخزين الأخشاب فى ردم الملاحات، مضيفا: يشجع الخفير المتعدين على أرض الملاحة لاستقطاع أكبر كمية ممكنة من المساحة نظير عمولات قد تصل الى نحو 10 آلاف جنيه. وأوضح علوانى أنه نتيجة تعدد عمليات الردم ارتفعت أسعار الأرض بالمنطقة، موضحا أن الدولة يمكنها مواجهة تلك التعديات من خلال إظهار الخرائط والعقود الأصلية لأرض الملاحات لإظهار حجم التعديات عليها ثم بناء أسوار على مساحة الملاحة ومنع التعامل عليها وتشديد الحماية الأمنية عليها ووقف إصدار التراخيص لهذه الأرض. «حينما توليت مسؤولية إدارة الشركة فى نهاية 2009 اتضح أن مساحة الملاحة تقلصت بنحو 5 ملايين متر مربع تم الاستيلاء عليها من قبل مافيا الأراضى بحسب لجنة قياس الملاحة لإظهار المساحة الحقيقية لها»، هكذا قال الدكتور أسامة عبدالعزيز رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة المكس للملاحات، مضيفاً تلك التعديات زادت بشكل مبالغ فيه فى أعقاب ثورة 25 يناير ثم تزايدات حدة الاعتداءات على الملاحة بعد 30 يونيو، مفسرا ذلك بقوله «بسبب انشغال قوات الأمن بالخلاف السياسى الموجود فى المجتمع كما أنها لا تملك الوقت الكافى لتنفيذ قرارات الإزالة بسبب الحرب على الإرهاب وكان آخر تلك التعديات فى إجازة عيد العمال حيث قام أحد المواطنين من تجار الأخشاب بردم نحو نصف فدان كبداية لردم المزيد، إلا أن الشركة تصدت له وقامت بتحرير المحاضر اللازمة واستصدار قرار إزالة، لكن من سينفذ؟». وأوضح عبدالعزيز أن الشركة تصدت للعديد من التعديات وتم استصدار قرارات إزالة لهم مثل ما حدث مع عدد من أصحاب شركات الأخشاب ومنهم موسى جادو والطهطاوى سليمان وصلاح أبوزيد وعبدالرحيم الخطيب الذين لم تتمكن الشركة من تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة ضدهم إلى الآن بسبب الظروف الأمنية الراهنة، موضحا أن قرار الإزالة الذى تنفذه الشركة بمعداتها يكلفها نحو أكثر من 250 ألف جنيه مثلما تم مع مجمع فتح الله للتجميد والتبريد، وأنور عبدالرشيد. وأشار إلى أن أعداد أفراد الأمن المسؤولين عن تأمين الملاحة قليلة بسبب إحجام أهالى المنطقة عن العمل بهذا القطاع خوفا من الأعراب المتمركزين حول الملاحة، مضيفاً هناك عدد من الأفراد سواء العاملين بالشركة أو بقطاع الأمن الذين تم اتخاذ الإجراءات القانونية وتحويلهم للنيابة بسبب تورطهم فى تسهيل أعمال الردم والاستيلاء على أرض الملاحة والآن نقوم بالتعاقد مع شركة حراسات خاصة لتأمين الملاحة. وتابع عبدالعزيز: أرسلت ملفا كاملا عن كل التعديات التى تمت على أراضى الملاحة لكل الجهات فى الدولة، مكملا «هبقى سعيد لو تم التحقيق فى الملف منذ السبعينيات وحتى الآن عشان كل الناس تتحاسب». أحد العاملين بشركة ملاحات المكس رفض ذكر اسمه قال: فشلت إدارات الشركة المتعاقبة فى التصدى لمافيا الأراضى التى استولت على أجزاء كبيرة من الملاحة، مشيرا إلى أن أكثر المستفيدين من تلك الهجمة على الملاحة هم تجار الأخشاب التى تلاصق مستودعاتهم حدود الملاحة لإقامة ورش ومخازن إضافية خاصة بهم على أرض الشركة. وأشار المسؤول إلى أن تقليص المساحة المنتجة للملح يهدد واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية المصرية نظرا لدخول الملح فى تصنيع الكلور المطهر والمعالج لمياه الشرب، وأيضا الخبز الذى يدخل الملح فى إنتاجه، بالإضافة إلى اعتماد نحو 114 ألف صناعة أخرى على الملح ويكون فيها عنصرا أساسيا فى بعض الصناعات مثل صناعة البتروكيماويات. تنتج مصر من الملح نحو 3.4 مليون طن سنويا، وتحتل المرتبة ال16 بين 62 دولة منتجة للملح فى العالم، وتسهم شركتا النصر، والمكس للملاحات المملوكتان للدولة واللتان تأسستا فى بداية القرن ال18 ب%80 من إجمالى الإنتاج. وتعمل الأولى من خلال ملاحتين فى العريش وبرج العرب بالإسكندرية، والثانية فى بورسعيد والمكس فى الإسكندرية، ونسبة ال%20 المتبقية تنتجها 7 شركات من القطاع الخاص، ويتم تصدير نحو %70 من الإنتاج المحلى.