«لحظة الوداع».. أكيد هى من أصعب اللحظات فى حياة أى إنسان، لكنها تكون أصعب بكثير لدى لاعبى الكرة لأنهم يعتزلون فى سنة مبكرة ويفارقون معشوقتهم «الكرة»، وجاء موعد اعتزال محمود الخطيب أسطورة الكرة المصرية والأهلاوية بعد صولات وجولات وإنجازات مع عالم «الساحرة المستديرة». «بيبو» بعدما استطاع تحقيق حلمه بالحصول على لقب بطولة الأمم الأفريقية التى استضافتها مصر عام 1986 قرر أن ينهى مسيرته فى الملاعب معلنا اعتزاله الدولى واستمر بعدها فى صفوف الأهلى لمدة موسمين قبل أن يعلن اعتزاله الكرة نهائياً فى عام 1988 ليسدل الستار على الموهبة الأبرز فى تاريخ الكرة المصرية التى ستظل خالدة على مر الزمان، وفى حلقة اليوم نتحدث عن كواليس ليلة وداع الخطيب لمحبوبته «الكرة» ومن اللاعب الذى أقنعه ليمنحه لقب خليفته فى الملاعب. مباراة الأهلى أمام الهلال السودانى على استاد القاهرة فى نهائى بطولة دورى أبطال أفريقيا عام 1987، كانت الحكاية الأخيرة فى صفحات الإبداع للخطيب داخل «المستطيل الأخضر»، وفاز الأهلى وقتها 2/0 أحرزها جمال الثعلب مدافع الفريق السودانى فى مرماه وأيمن شوقى مهاجم الأهلى الأسبق، ولهذه المباراة ذكرى خاصة فى «دولاب» ذكرياته، لاسيما أنه كان يفكر جدياً فى اتخاذ قرار الاعتزال بسبب كثرة إصاباته خلال تلك الفترة، ويرغب فى إنهاء مسيرته مع الأهلى باللقب الأفريقى، وكان الخطيب على موعد مع إصابة سيئة كادت تمنعه من تحقيق هذا الحلم، وذلك بعد قيام أنور سلامة المدير الفنى للأهلى وقتها بالدفع به فى الشوط الثانى لمباراة غزل المحلة للاطمئنان على حالته البدنية قبل الموقعة الأفريقية، وفى إحدى الكرات المشتركة تعرض الخطيب لكدمة قوية فى وجهه أدت إلى كسر فى عظمة العين احتاجت إلى خضوعه لجراحة. ويتذكر الخطيب تلك الواقعة قائلاً فى حوارات سابقة: «بعد هذه الإصابة وقبل دخولى إلى غرفة العمليات نذرت نذراً، إن كان لى نصيب للعب هذا المباراة ستكون هى آخر مباراة لى، وتوجهت بعد الجراحة مباشرة للنادى وقابلت الكابتن طارق سليم وطلبت منه أن ألعب هذه المباراة، التى كان يفصلنى عنها خمسة أيام فقط، فأكد لى أننى لم ولن أتعافى فى هذه الفترة الوجيزة ولكن حين وجدنى مُصراً وافق على أن أعود للتدريبات مرة أخرى، ولكن كنت أمارس التدريبات ليلاً حرصاً على عدم تفاقم الإصابة». ويضيف: «فى يوم المباراة طلب منى الكابتن أنور سلامة أن أستعد بعد بداية الشوط الأول بخمس عشرة دقيقة لكى أشارك بالمبارة فدخلت لغرفة خلع الملابس لكى أجهز نفسى ثم بدأت أقرأ القرآن، ودخل إلى غرفة خلع الملابس بعد دقيقتين الكابتن صلاح حسنى طلب منى الإسراع بدخول الملعب، وبمجرد أن خرجت من الملعب ارتفعت معنوياتى بدرجة لم أتخيلها، وكان لجمهور النادى الأهلى العظيم الفضل فى هذا، فاستقبال الجمهور لى بمجرد خروجى من الملعب جعلنى راضياً عن قرارى وشجعنى على المضى قدماً وإنهاء مشوارى بهذه الاحتفالية التى حضرها جميع قيادات مصر وعلى رأسهم الرئيس مبارك، ولعبت أمتع وأحلى وأجمل خمس عشرة دقيقة لى فى المستطيل الأخضر على الإطلاق». وكشف الخطيب عن قرار الاعتزال خلال هذه المباراة، فى حوار جانبى بينه وبين الحكم المغربى لاراش محمد الذى كان يدير اللقاء، وهناك قصة شهيرة فى هذه الجزئية من خلال السيناريو الحوارى الذى دار بين الخطيب والحكم، فالأول بيبو ينظر إلى ساعة الاستاد، يتبقى على نهاية المباراة 3 دقائق فقط، ثم يذهب إلى الحكم قائلاً: «كابتن.. أنت الوحيد الذى يعلم الآن فى الوطن العربى كله أن الدقائق المتبقية هى الأخيرة لى كلاعب، فأرجو منك أن تستمر فى لعب المباراة قليلاً ولو لدقيقة».. فيرد الحكم قبل أن ينهى اللقاء موجهاً كلامه للخطيب قائلاً: «يابنى.. نحن فخورون بك جداً، ولكننى لا أستطيع أن أطيل أكثر من ذلك فى وقت المباراة، يجب أن أطلق صافرة النهاية».. وبالفعل أطلقها وهنا كانت آخر لمسات الخطيب أعلن قراره بعد الصعود إلى منصة التتويج ورفع الكأس بعد أن تسلمها من الرئيس الأسبق مبارك، وكانت هذه نهاية تحت عنوان «ليس بالإمكان أفضل مما كان». «بيبو.. بيبو.. يا سلام ياخطيب».. كانت هى عنوان الأغنية التى تم تجهيزيها خصيصاً للخطيب ليلة مباراة اعتزاله، وهى اللحظة الأصعب فى حياته، وجاءت اللحظة التى لم يكن يتمناها ملايين المصريين الذين عشقوا الخطيب، لحظة الاعتزال كانت مباراة تجمّع فيها أكثر من 120 ألف متفرج. المشهد النهائى فى قصة محمود الخطيب داخل ساحة المستطيل الأخضر كلاعب: بيبو يمسك بالميكرفون ليودع الجماهير ويقول: «بسم الله الرحمن الرحيم».. فترد الجماهير عليه: «لأ يا بيبو لأ.. لأ مالكش حق»، فتنهمر دموعه بغزارة ولا يجد كلاماً يرد به عليهم سوى بترديد عبارة: «ألف شكر.. ألف شكر»، هذا المشهد مازال محفوراً فى ذاكرة عشاقه ومحبى الأسطورة المصرية، ويومها وصل عشق ملايين الأهلاوية لدرجة طلبهم بحجب الرقم 10 عن فانلات الفريق للأبد، لكن الخطيب رد قائلاً: «الحياة لا تقف عند شخص ما وهناك مواهب كثيرة تستحق».. وبالفعل منح فانلته إلى وليد صلاح الدين لاعب الأهلى والمنتخب الوطنى الأسبق الذى كان وقتها ناشئاً فى صفوف «القلعة الحمراء»، معتبرا إياه خليفته فى الملاعب.