قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سيفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لكم منهم صهراً وذمة"، أخرجه ابن عساكر.. وفى صحيح مسلم: "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً فإذا رأيت رجلين يقتتلان فى موضع لبنة فاخرج منه". هكذا أوصى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام المسلمين الأوائل بأهل مصر من الأقباط قبل أن يدخلها الإسلام، وهى وصية يعرف كل مسلم مؤمن موحد بالله أنها واجبة، لا تقتصر على وضع مصر عند فتحها من قبل المسلمين فقط، وإنما تمتد لأبد الآبدين.. فهل ما حدث فى نجع حمادى ليلة عيد الميلاد المجيد هو تنفيذ لوصية الرسول عليه الصلاة والسلام أم خروج عليها؟ هكذا كانت مصر منذ الفتح الإسلامى حتى سبعينيات القرن الماضى، مصريون يعيشون فى وطنهم، آمنون مطمئنون، حتى ضربتهم نيران الفتنة، فغابت كلمة مصر وحل محلها مسلم ومسيحى، لذلك لم نعد نعيش فى وطن واحد، ولم تعد تجمعنا مصريتنا بل فرقتنا الأديان.. ويخطئ من يقول أو يعتقد أن ما تعيشه مصر هو حالة عابرة.. أو من يردد كلاما سخيفا من نوعية أن هناك آيادى أجنبية تعبث بالوحدة الوطنى فى البلاد وتفرق بين المصريين حسب الدين. مصر فقدت سماحتها، والمصريون مالوا إلى التعصب الذى لم يكن جزءاً أصيلاً من تركيبتهم الشخصية، لكن هذا التعصب ضرب الشخصية المصرية، ليس فى الدين فقط، وإنما فى شتى مجالات الحياة.. فلم يعد المصرى متسامحا بل عنيفا حتى مع أهله، وتذكر الدرسات الاجتماعية أن معظم النساء يتعرضن للضرب على أيدى أزواجهن، وارتفعت نسب الجرائم بشكل غير مسبوق، وتحول القتل إلى حالة يومية نطالعها فى الصحف بشكل لم يعد حتى ملفتا.. ولم يعد غريبا أن تشاهد أم تقتل ابنها أو أب يقتل أولاده أو ابن يقتل والديه. مصر فى أزمة حقيقية، جزء منها هو الحدة فى التعامل بين المسلمين والمسيحيين، كأن يفتح مواطن النار على مواطنين آمنين يخرجون من كنيستهم بعد أداء قداس عيد الميلاد المجيد، فيريق الدماء ويهدر الأرواح البريئة، ويحول فرحة العيد إلى مأتم حزين ليس فى ديروط فقط، وإنما فى كل ربوع مصر. ويخطئ من يظن أن اجتماعاً شعبياً فى المدينة، أو جلسة صلح بين العائلات، أو تقديم دية الموتى، ورفع الأكفان كما يحدث فى الصعيد يمكن أن يحل الأزمة، فالقضية أعقد وأخطر من ذلك، ففى مصر فضائيات إسلامية ومسيحية تصب الزيت على نيران الفتنة ليل نهار، وإعلام يغذى الحرائق الدينية، وتعليم لا يقوم على التسامح، وإنما يرسخ الفتنة داخل كل طفل، ومسئولون يدفنون رؤوسهم فى الرمال وكأنما يوافقون ولو بالصمت على إشعال الوطن. مصر فى أزمة حقيقة، اشتعل فيها فتيل الفتنة الطائفية، وتحول إلى حرائق صغيرة هنا وهناك، ولم يعد باقياً سوى اندلاع الحريق الكبير الذى سيأخذ معه الوطن الذى نعيش فيه جميعاً، لأننا وافقنا على تقسيمه على أساس دينى، وقبلنا أن نفقد مصريتنا وأن نتحول إلى مسلمين ومسيحين!