استسلم "محمد كريم" بعد مفاوضات مع "نابليون بونابرت" تواصلت فى المساء لاستسلام الإسكندرية، وفى صباح مثل هذا اليوم " 3 يوليه 1798"، أعلن خضوعه، وأقسم يمين الولاء ل"نابليون"، وفى كتاب "بونابرت فى مصر" لمؤلفه " ج. كرستوفر هيرولد " ، يقول: "رأى بونابرت من حسن السياسة أن يكون كريما، فغفر لمحمد كريم مقاومته للهجوم، وثبته حاكما للإسكندرية، ووكل إليه حفظ النظام وتموين الفرنسيين، ولعله فى هذه اللحظة تحول من القائد إلى الحاكم ، وهذا انقلاب يتطلب ضربا رفيعا جدا من الدجل". أخبر" " بونابرت " الوسطاء بينه وبين " المقاومة " أنه سيضطر إلى قتل المشايخ والأعيان والعلماء بحد السيف إذا استمروا فى المقاومة، وهذا إجراء صارم يود أن يتجنبه لو استطاع، ولهذا استسلم "كريم". فى مشهد الاستسلام ، يستوقفنا تعبير " الدجل "كوصف ل" نابليون " لتعيينه محمد كريم حاكما للإسكندرية ، ويطبقه على منشور وجهه إلى أهل مصر ، وأمر بأن يعلق فى أرجاء "الإسكندرية" ويتم قراءته على الملأ وطبعه باللغات العربية والتركية والفرنسية ، ويأتى الكتاب بنص المنشور كاملا، ومما جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله لا ولد له ، ولا شريك فى ملكه، من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية والتسوية " السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابرتة"، يا أيها المصريون قد قيل لكم أننى ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم ، فذلك كذب صريح ، فلا تصدقوه وقولوا للمفترين أننى ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين وأننى أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه تعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم". يقول "هيرولد"، إن بونابرت تعمد أن يضرب على وتر المشاعر الدينية للمسلمين ، وجمع جمعا غريبا بين هذا وبين الشعارات التحررية المألوفة فى الثورة الفرنسية ، ولعل هذا المزج العجيب هو الذى كان يدور فى ذهنه حين تحدث فى سنواته الأخيرة عن "القرآن الجديد" الذى كان فى نيته أن يضعه ليحقق به أهدافه ، ويحمله بيمنه وهو يغزو بلاد الشرق. بعد سنوات طويلة وفى منفاه ب"سانت هيلانة" يعترف نابليون أن هذا المنشور :"قطعة من الدجل ولكنه دجل من أعلى طراز"، وقال: "على الإنسان أن يصطنع الدجل فى هذه الدنيا لأنه السبيل الوحيد للنجاح". دانت الإسكندرية ل"نابليون" وكان حالها كما كتب الفرنسى "جوبير" لأخيه: "ترى فى الأسواق الخراف والحمام والتبغ ، ثم عددا كبيرا من الحلاقين يضعون رؤوس زبائنهم بين ركبهم كأنهم يستعدون لقطعها لا لحلقها، وكانت النساء قليلات فى الشوارع إلا نساء الطبقات الدنيا اللاتى أثار مظهرهن تقزز الفرنسيين، وكن يرتدين جلبابا واحدا أزرق فى العادة قذر دائما، ويسرن حافيات الأقدام عاريات السيقان، ويلطخن حواجبهن بالكحل وأظافرهن بالحناء، ويكشفن فى مرح عن أى عضو من أعضائهن إلا وجوههن، أما الأطفال فعراة.