فجأة وبدون مقدمات كعادة الحياة السياسية المصرية صار الدكتور محمد البرادعى، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، نجما لامعا لدى النخبة السياسية، وتتبارى الأحزاب "الهشة" والحركات السياسية "ذات التأثير المحدود" لترجوه وتستعطفه للقبول بالترشح فى الانتخابات الرئاسية العام بعد القادم 2011م، ولم تكن تلك الأحزاب والحركات بمفردها، ولكن كانت الصحف اليومية والأسبوعية معارضة كانت أو حكومية تقف معها وتساندها، فالمعارضة والخاصة تلمع وتجمل، والحكومية تشوه وتخون وتبقى جماعة الإخوان بموقفها "الصامت" نوعا ما والمتوازن كثيرا كالمعتاد على الحياد، الإصلاح السياسى ومصلحة الوطن أهم ما يدفعها للتحرك وإن كان هناك ملاحظات على الآداء. وبالعودة إلى أساس القصة والصعود المفاجئ للدكتور البرادعى الدبلوماسى الناجح ب"المنظور الدولى" صاحب جائزة نوبل للسلام وقلادة النيل من الرئيس المصرى على جهوده "السلامية العالمية" ومنع انتشار السلاح النووى، نجد و-بحسب تقديرى- أن كل هذه "القصة" تمويه وتعمية من النظام الحاكم لتمرير مخطط "ما" تريد إنجازه سريعا قبيل الانتخابات التشريعية سواء الشورى أبريل القادم أو الشعب فى أكتوبر الذى يليه من العام نفسه، وبالطبع قبل الانتخابات الرئاسية "الديكورية" 2011م. وبالتعمق فى الخوض الحكومى والنخبوى المعارض عبر مؤسساتهم الحزبية والإعلامية والجدل الدائر حول الدكتور محمد البرادعى رغم وجود أسماء ذات ثقل سياسى لهم قبول شعبى مثل عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية، والدكتور أحمد زويل صاحب جائزة نوبل للكيمياء، يدفعنا للتساؤل لماذا تم طرح اسم البرادعى دون غيره؟ ولماذا فى هذا التوقيت بالذات؟ وما سبب اختفاء جمال مبارك أمين لجنة السياسيات بالحزب الحاكم فجأة عقب "سبوبة" مباراة الجزائر؟ وما سر تبنى الصحف الخاصة الثلاث "الدستور-المصرى اليوم- الشروق" حملة ترويج البرادعى؟ أسئلة أخرى لابد من البحث عن إجابة لها خاصة أن النظام الحاكم لا يستطيع أحد أن يعرف ما يريده بالضبط، وما هى دوافعه، ولا نعلم هى تلك الخطوات تأتى ضمن خطة محكمة أم هى سياسة عشوائية تأتى استكمالا لمسلسل التخبط الحكومى على الصعيد السياسى والاجتماعى داخليا وخارجيا؟ وبالبحث أكثر فى أبعاد التركيز على الدكتور البرادعى دون غيره نستنتج بعض الإحتمالات. الاحتمال الأول: أن النظام بدأ يشعر أن هناك رغبة سياسية ومجتمعية لدى الشارعين الشعبى والسياسى المصرى يرفض مبدأ التوريث، فرأى – أى النظام- أن يطرح بدائل قريبة من توجهه الدولى والسياسى تطبيقا للمثل العربى القديم "بيدى لا بيد عمرو". الاحتمال الثانى: أن النظام أحس بخطورة وضع كرسى الرئاسة مع المعطيات السياسية والاجتماعية المتردية فرأى أنه من الضرورى صنع فرقعة إعلامية بمعاونة صحف خاصة وحكومية لها مصالح معه، بوضع مرشحين وهميين على الطاولة هم فى الأساس غير مؤهلين للقيام بتلك المهمة، وبالتالى يتم كشفهم أمام الرأى العام أنهم بعيدون عن الشعب المصرى وأحلامه وطموحاته وتوجهاته فيكون "التوريث هو الحل". الاحتمال الثالث: أن الصحافة ووسائل الإعلام الخاصة دفعت من خلال جهات خارجية وربما داخلية لإثارة البلبلة فقط وكبالون اختبار ضد مشروع التوريث بعمل حقيقى على الأرض بترشيح شخص البرادعى، مع علمه بأن البرادعى لا يمتلك عصا سحرية لإجبار النظام على تغيير المادة 76 لانتخاب رئيس الجمهورية. الاحتمال الرابع: أن وسائل الإعلام المصرية وخاصة الصحف الخاصة رأت فى ترشيح أسماء خلفاء لمقعد الرئاسة "سبوبة" ومحاولة لملء الفراغ الذى تعانيه على صفحاتها، وخلق "خناقات" سياسية لزيادة عداد قرائها. وبعيدا عن الاحتمالات يظل موقف الإخوان متوازنا إلى حد ما فى ظل إصرارها على وضع تلك الترشيحات فى وضعها الصحيح باعتبار أن هناك قضايا أولى بكثير من تلك الأزمة المفتعلة، وتأكيدها ضرورة تفعيل مبادئ وشروط أساسية للإصلاح السياسى قبل الخوض فى أى من تلك القضايا، أهمها إنهاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة، وحرية إنشاء الأحزاب، وإلغاء لجنة شئون الأحزاب، وإتاحة حرية الصحف، وحرية التجمع والتظاهر السلمى، وإلغاء كافة المحاكم والقوانين الاستثنائية المقيدة للحريات، واستقلال السلطة القضائية، وإجراء انتخابات حرة نزيهة بإشراف قضائى كامل، وإعادة النظر فى المواد ال34 التى تم تعديلها فى الدستور مؤخرا، وتعديل المادة 77 وإلغاء المادة 76 من الدستور لإتاحة الحرية لجميع المصريين حق الترشيح للرئاسة.