طالعتنا الصحف مؤخرًا بخبر مفاده مقتل طفلة عمرها 5 سنوات، بعد أن تم التعدى عليها من قبل مراهق اغتصبها ثم قتلها حتى لا تتعرف عليه. استوقفنى هذا الخبر ورجعت بذاكرتى إلى خبر آخر مماثل وهو مقتل الطفلة زينة وعمرها 6 سنوات، وتساءلت: "ما الذى يحدث فى المجتمع وما هذا الانحدار والانفلات الاخلاقى الذى تفشى فى المجتمع وأصبح ظاهرة تحتاج إلى وقفة وتحتاج لعلاج بعيدًا عن أن ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام وننكر هذ التدنى الأخلاقى الذى انتشر بصورة مفزعة. إن حادث مقتل الطفلة هدى ذات الخمسة أعوام ومن قبلها الطفلة زينة، يلقى بظلال خطيرة وخصوصًا أن الجريمة الأخيرة وقعت فى مجتمع صعيدى محافظ عرف عنه الانضباط والعرف السائد فيه هو الشهامة والرجولة. وحينما عرفت بالخبر وعرفت بعنوان الضحية، وهى قرية فى صعيد مصر تابعة لمركز مغاغة بالمنيا, وهى لا تبعد عن محل إقامتى إلا بضعة كيلومترات, ذهلت وأدركت أن الخطر أصبح وشيكًا وقريبًا ولا يستثنى أحدًا سواء أكان المجتمع بحراويًا أو صعيديًا أو ساحليًا أو سيناويًا أو أى إقليم من أقاليم مصرنا الحبيبة. منذ سنوات ونحن نلاحظ هذا التدنى الأخلاقى ونرى سلوكيات من الشباب والأطفال غريبة عن مجتمعنا ومناهضة لقيمه وتقاليده وعاداته وتتنافى مع ديننا الحنيف، ومع الأسف لا نبالى بها، ونقول لأنفسنا نحن لن نصلح المجتمع لوحدنا ونلقى بالمسئولية على غيرنا. وبمراجعة مثل هذه السلوكيات وأسبابها، وجدت أن هذا التدنى الأخلاقى الذى وصل إليه مجتمعنا يرجع لعدة أسباب وهى: أولها: تدهور التعليم فى مصر وانحدار المستوى التعليمى وتركيزه على حفظ بضعة معلومات وتلقينها لتكتب وتدون فى امتحانات، يستطيع الطالب من خلالها أن يحصد الدرجات حتى ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى ولم يعد الأصل فى التربية والتعليم هو تربية وتعليم الأخلاق والمبادئ للطلاب قبل أن يتعلم معلومات ومرادفات ومسائل حسابية. لقد اصبح المعلم بين شقى الرحى بين أن يربى ويعلم وبين أن يتجنب أى مهاترات تحدث من الطلاب نتيجة لهذه السلوكيات الغريبة من قبل بعض الطلاب، وكان آخرها حادث مقتل مدرس الإسكندرية الذى لقى مصرعه بعد أن تعدى عليه تلميذ فى المرحلة الإعدادية بالضرب واللكم، ولم يستطع هذا المعلم الفاضل أن يتحمل الإهانة فمات وترك حقه معلقًا فى رقبة الجميع. ثانيها: الإسفاف والانحطاط الذى وصلت إليه السينما المصرية وبعض وسائل الإعلام من تقديم نماذج غير مرغوبة تحرض على الجريمة والانحلال بدلا من تقديم نماذج مشرفة تصلح لأن تكون قدوة يتمثل بها النشء. فما زالنا نرى الأفلام والأغانى الهابطة ونسمع ألفاظًا يتعلمها أبناؤنا ولغة غريبة عن مجتمعنا وعن ديننا وعن تقاليدنا، وللأسف لا رقابة على هذه السلوكيات وعلى هذه النماذج، حتى أصبحت مثلا يحتذى به وعرفًا متعارف عليه بين الشباب. ثالثها: الشارع الذى أصبح يعج بالمفردات اللغوية والسلوكيات الغريبة التى يراها أبناؤنا، وهم يذهبون إلى المدارس أو إلى أى مكان، واصبحت على مرأى ومسمع من الجميع دون أن نجد من يقوم بمثل هذه السلوكيات وبذلك انتشرت الجرائم والتحرش الجنسى وغيره من الجرائم التى لم نر مثلها من قبل فى المجتمع المصرى. رابعها: ضعف وغياب التوعية الدينية والتثقيف الدينى وغياب القدوة فى المجتمع وضعف دور المشايخ والعلماء ميدانيًا، فأصبحنا نرى نماذج لا تعرف من يوجهها ولم تجد من يوجهها الوجهة الصحيحة السليمة. خامسها: غياب دور الأسرة فى التربية فأصبح الأب يخرج من بيته أول النهار ويرجع آخره منهكًا قد أنهكه العمل والبحث عن لقمة العيش فأنساه تربية أبنائه ولم يعد لديه وقت ليجلس معهم ويناقشهم ويعلمهم ويوجههم. ولقد زاد من ذلك انشغال الأم بأعمالها المنزلية ومع زيادة أعداد أفراد الأسرة، أصبح الأمر صعبًا عليها وناهيك عن إذا ما كانت الأم عاملة تعمل بأى مهنة فيقتل شغلها الوقت المتبقى لها فى تربية أبنائها. سادسها: الإنترنت والموبايلات التى ساهمت بشكل أو بآخر فى تدهور أخلاق الصغار بصورة غير مقصودة أو مقصودة، فأغلب الشباب الصغير وليس كله بالطبع يتابع الأفلام الإباحية على الإنترنت ولديه فيديوهات ومقاطع مخلة على تليفوناته المحمولة، والتى تثير غرائزهم وتساهم فى تدهور أخلاقهم بشكل أو بآخر. أيها السادة إن هذه الأسباب والنتائج المترتبة عليها تجعلنا مطالبين بوقفة لتعديل مثل هذه السلوكيات الغريبة والشاذة عن مجتمعنا. وليست الصورة كلها بهذه القتامة حتى لا يتهمنى البعض بالتشاؤم والمبالغة واتهام المجتمع اتهامات مبالغا فيها، بل على العكس تماما فهناك من الأمثلة الناجحة من شبابنا نماذج ونماذج وهناك المزيد والمزيد من الأمثلة المشرفة لكن ما قصدته هو أن نلقى الضوء على النماذج السيئة والتى انتشرت بشكل كبير فى المجتمع حتى لا تصبح واقعًا مريرًا يصعب تعديله وحتى لا تتفشى كالوباء ويضيع معها أبناؤنا وتضيع أجيال وأجيال بعد أن يتم التنازل عن المعايير الأخلاقية جيلا بعد جيل، حتى يصبح ما كان عيبًا بالأمس شيئًا عاديًا اليوم. عاشت مصر وعاش شبابها وحمى الله الوطن من كل مكروه وسوء.