فى محاولة لاحتواء الأزمة التى قد تنتج عن التصويت لصالح المبادرة الشعبية لحظر بناء المآذن فى سويسرا فى 29 نوفمبر القادم، ذكرت صحيفة "لوتون" السويسرية أن اليومين الماضيين قد شهدا محاولات من جانب الأحزاب السياسية السويسرية التى قررت الدعوة للتصويت ضد هذه المبادرة، كما دعا الرئيس السويسرى هانز رودولف ميرتز الشعب السويسرى إلى رفض هذه المبادرة، واعدا إياه أن صوت المؤذن "لن يتردد أصداؤه فى البلاد"، مهما كانت نتائج التصويت. فقد كرر الرئيس السويسرى دعوته فى رسالة إلى شعبه قائلا: "لنقل لا لهذه المبادرة... يجب على المسلمين أن يكونوا قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية، والحصول أيضا على المآذن فى سويسرا"، مذكرا بأن "التسامح الدينى لا طالما كان موجودا فى هذا البلد الذى عادة ما كان ملاذا لأصحاب الديانات الأخرى"، وتقول صحيفة "لوموند" الفرنسية التى اهتمت بدورها بتسليط الضوء على هذه المبادرة التى تثير جدلا واسعا فى سويسرا أن هذا التصريح الرئاسى جاء ليدعم دعوة الحكومة لرفض هذه المبادرة التى قد تهدد "السلام الدينى" فى البلاد. وتقول صحيفة "لوتون" إن رؤساء الأحزاب السياسية فى سويسرا، فيما عدا حزبين، قد وقعوا على بيان مشترك يدعون فيه للتصويت ضد هذه المبادرة، ويعلنون فيه عن موقفهم المعارض لها، وهو الموقف نفسه الذى يتبناه البرلمان والمنظمات الاجتماعية والنقابية. وتتساءل الصحيفة ما إذا كان هذا البيان يعكس تخوف الأحزاب من احتمال التصويت لصالح هذه المبادرة. وهو فى الواقع ما يعرب عنه كريستوف داربولى، رئيس الحزب الديمقراطى السويسرى، الذى يخشى أن يتم التصويت فى صناديق الاقتراع "ضد الإسلام"، حيث يؤكد أنه على الرغم من وجود بعض المشاكل مع المسلمين، إلا أن هذه المبادرة لن تحل أى منها، كما أن النتائج المترتبة على التصويت ب"نعم" ستكون كارثية، على حد قوله، من الناحية الاقتصادية، وبالنسبة أيضا لصورة الدولة. ومن ناحية أخرى، نددت النساء فى حزب الخضر والحزب الاشتراكى والحزب الديمقراطى المسيحى بالحجة التى يلوح بها مؤيدو المبادرة ضد المآذن، ألا وهى "حماية المرأة"، ووصفن إياها بأنها "مهزلة وخدعة"، كما أكدن أن هذه المبادرة لا تأتى فى صالح حقوق الإنسان أو المساواة. وتفسر الصحيفة تلك المحاولة من جانب الأحزاب السياسية السويسرية بأنها قد تكون رغبة منها فى توجيه ضربة أخيرة فى المعركة ضد مبادرة حملة حظر بناء المآذن التى تبدو الآن صعبة، حيث لم يبق على التصويت سوى عشرة أيام، وخاصة أن صوت المعارضة لم يبد واضحا بالقدر الكافى خلال الحملة التى كانت تحمل قدرا من الاستفزازات والملصقات العدوانية ضد المآذن. وفى حوار أجرته صحيفة "لوتون" مع رينيه باهود، أستاذ قانون الأديان وتاريخ القانون فى جامعة فريبور، يرى باهود أن الغالبية العظمى من المسلمين فى سويسرا منفتحون جدا وعلى استعداد للاندماج فى المجتمع، كما أنهم لم يطالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية فى المجتمع السويسرى، ولذلك فمن المستحيل الادعاء بأنهم يمثلون خطرا على سويسرا ومؤسساتها وقيمها، ويرى باهود أنه إذا كان هناك متشددون بينهم، فيجب التعامل معهم من خلال وسائل الحماية التى توفرها الدولة والقانون الجنائى. كما يؤكد باهود على معارضته لمبادرة حظر بناء المآذن، قائلا إن هذا الأمر يعد "تمييزا وعدم احترام للحياد الدينى فى الدولة السويسرية"... كما أشار فى الوقت ذاته إلى أنه على الرغم من أن هذه الحملة تعكس مخاوف أنصار المبادرة، إلا أنها لن تحل شيئا من خلال حظر أحد الرموز الدينية. وفى سؤال له عما إذا كانت هذه المبادرة متوافقة مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، يقول باهود إنه فى حال التصويت لصالح هذه المبادرة فمن الممكن أن يتم رفع دعوى فى ستراسبورج ضد رفض السماح ببناء المآذن، وفى حال إنْ وجد القضاء أن حظر بناء المآذن مخالف للاتفاقية الأوروبية فسيصبح بالتالى على سويسرا أن تعدل من نظامها. ووفقا لأحدث الإحصائيات الصادرة فى برن، يصل عدد المسلمين فى سويسرا إلى نحو 400 ألف مسلم من إجمالى عدد السكان الذى يصل إلى 7.5 مليون نسمة، من بينهم 50 ألف مسلم يواظبون على ممارسة شعائر دينهم، مما يجعل من الإسلام الديانة الثانية فى البلاد بعد المسيحية. وقد تم حتى الآن بناء أربع مآذن فى سويسرا. للمزيد من الاطلاع اقرأ عرض الصحافة العالمية على الأيقونة الخاصة به.