بداخل صندوق البريد.. كانت تقبع متكاسِلة.. بيضاء بلون النقاء.. بلون ثوب العرس الذى طالما حَلُمُت به.. رساله بريئة المظهر.. مدت يدها والتقطتها.. اسم الراسِل .. أطلق الأرض من حولها فى زلزال !! استندت على الجدار حتى لا يتساقط من حولها الزمن .. حدّقت فى الرسالة كأنها طلسم مسكون.. أناملها ترتعش كأوراق خريفية.. دقات قلبها تضخ الدم فى أذنيها... همت بفتحِها.. ثم ترددت للحظة .. اعتصر قلبها من الذكرى.. هذا الذى أبعَدها عن قلبه وحياته.. بأى حق يستدعى من جديد الذكريات؟! دمعة نزلت.. بللت ركن الرسالة.. انتفضت غاضبة .. لِما تبكين ؟! هذا الذى غادر رحم حبك طوعا.. هذا الذى شق أضلعك ونجا بنفسِه.. الآن يُنصِّب نفسه بطلا فى مسرحيه "الحنين" !!! أيامًا وشهورا ألقمتِها أشواقك.. تضعين مفتاحك فى ثقب صندوق البريد .. تبتلعين خيبة بعد خيبة .. يُطالِعك الصندوق الخاوى بشماتة !!! انتفضت غاضبة .. لما تبكين؟! بأنامل متشنِجّه كرمشت الرسالة.. ضغطت بقوه كأنها تُزهِق فيها الروح !! ألقت الجثة البيضاء فى صندوق المهملات بالمدخل.. مضت ذاهبه تباهى ذاتِها.. مشت.. ثم اهتزت خطواتها مترددة... اعتصرت قبضتيها وانضغط قلبها حتى كاد ينفجر !! استدارت مسرعة.. وانحنت على الصندوق.. التقطت الرساله بشوق وفَرَدت من تجاعيدها .. ربتتّ عليها بحنان ولهفة.. فتحتها وأخرجت منها قلبها الذى مازال يسكن كلماتِه!!