فى قصره الفخم على ضفاف "البوسفور" فى تركيا عاش الخديو إسماعيل سنواته الأخيرة على ذكريات أيامه الماضية، منذ أن كان طفلا صغيرا ضمن ثلاثة أطفال لإبراهيم باشا بن محمد على، عاش يتذكر طفولته التى قضاها فى قصر "المسافر خانة" بالقاهرة بعد ولادته فى 31 ديسمبر 1830، ومرحلة شبابه الأولى التى عاشها فى حياة والده إبراهيم (توفى وعمر إسماعيل 18 عاما)، ثم فترة حكمه لمصر التى استمرت من 18 يناير 1863 حتى 1879. عاش "إسماعيل" حياته حزينا منذ عزله عن الحكم فى يونيو 1897، بقرار من السلطان العثمانى عبد الحميد بضغوط أوروبية ومغادرته مصر، وحتى وفاته فى قصره بتركيا يوم 2 مارس 1895، وعودة جثمانه إلى مصر بعدها ب13 يوما فى مثل هذا اليوم (15 مارس)، وتصادف أن دار الأوبرا التى أنشأها كانت تحتفل ليلة عودته بتمثيل قصة عايدة، ولم تتعطل دقيقة واحدة حدادا عليه. فى كتابه "تاريخ مصر فى عهد الخديوى إسماعيل من 1863- 1879" ل"إلياس الأيوبى" يتحدث فى جانب منه عن نهايات "المعزول" منذ تلقيه خطاب عزله، وحتى وفاته وحضور جثمانه إلى القاهرة. فى دراما الرحيل، يقول الأيوبى "إن سفينة "المحروسة" وصلت ب"إسماعيل" إلى "نابولى" الإيطالية، وبقى مقيما على ظهرها 15 يوما كأنه يعتبرها جزءا من مصر وقطعة منه، يعز عليه أن يفارقها، ويود أن يطيل إقامته عليها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وبعث يطلبها من الحكومة الخديوية (الخديوى كان ابنه توفيق)، لكن الحكومة رفضت وأنذرته، إن لم يُعِدْها سيتم الحجز على مرتبه السنوى فاضطر أن يتخلى عنها". نزل إسماعيل من البحر إلى البر، وظل أياما لتجهيز قصر "الفافورتيا" بضواحى نابولى، والذى أمر ملك إيطاليا "أمبرتو" أن يكون تحت تصرفه، ثم انتقل إليه بزوجاته وأولاده ونسائه وحاشيته، وظن فى البداية أن فترة العزل مؤقتة، ليعود بعدها إلى عرشه المفقود، ولأجل هذا الغرض تنقل بين روماوباريسولندن وفيينا، وكان كلما ضاقت الأحوال ب"توفيق" يزداد أمل العودة، لكنه تيقّن أن أمله يذهب سدى حين زار لندن، فأنزلوه فى فندق وضيع، وتكرر ذلك معه فى باريس وفيينا، فقرر بعدها البقاء فى قصره ب"نابولى"، والاكتفاء بمعركة البحث عن أملاكه وتحسين معاشه الذى تدفعه له الحكومة المصرية. انتقل من "نابولى" إلى ضفاف "البوسفور" بموافقة من السلطان عبد الحميد، لكن وكما يقول "إلياس الأيوبى": "أحاطه السلطان بالجواسيس، ضايقه كثيرا، فتأكد أن حياته السياسية انتهت وبات لا يعيش إلا على ذكرياته، وجاءه حفيده عباس حلمى الثانى أثناء زيارته الأولى إلى الأستانة، فأسعدته الزيارة كثيرا، ويقال إنه التمس منه أن يأذن له بالعودة إلى مصر لأن حنينه إليها لا يحتمل، لكن الحفيد لم يفعل، وظل إسماعيل على هذا الوضع حتى وفاته وعودته ليدفن فى مسجد الرفاعى فى احتفال مهيب سار فيه الخديو والأمراء وكبار رجال الدولة.