د/طه قرنى فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الفن التشكيلى بمصر والشرق الأوسط ، سيقام خلال الأيام المقبلة معرض مفتوح لعرض لوحة " سوق الجمعة " للفنان طه القرنى أسفل كوبرى السيدة عائشة وسط أبطالها الحقيقين ، لتتغير بذلك الخلفية النخبوية الدارجة عن الفن التشكيلى لتعود إلى نسقها المطلوب " الفن للشعب "، حيث تتقاطع مسارات الفن التعبيرى مع قضايا المجتمع لتفرز نمطاً جديداً من التفاعلية التى افتقدتها الجماهير عبر عقود طويلة مضت، وهذا هو العرض الثانى للجدارية بعد عرضها الشهر الماضى فى قاعة الفنون بدار الأوبرا المصرية، حيث حققت نجاحاً جماهيراً غير مسبوق . فى تصريح خاص لموقع صحيفة "اليوم السابع" قال الفنان طه قرنى: قصدت من خلال هذه الجدارية عمل مداخلة فنية وطرحها على كل الأصعدة فى المجتمع المصرى، وتقديم قضية هذه الفئة المهمشة بالألوان، وهذا اتجاه على مستوى العالم ، ينحى جانباً القضايا النخبوية حتى تتمكن مثل هذه الفئات من الظهور على سطح الأحداث ولو لبعض الوقت ، وصنع حالة حوار مجتمعى تكرس لثقافة التواصل بين كل أطراف المجتمع وقياداته ، و هوما نجح فيه العمل حيث تحولت القضية من مجرد عمل فنى إلى قضية تحظى باهتمام المسؤولين وخاصة عبد المنعم وزير محافظ القاهرة الذى رصد مبلغ 7 ملايين جنيه لتطوير سوق الجمعة بالسيدة عائشة والاهتمام بمن فيه ، وأنه سوف يحضر بنفسه افتتاح المعرض فى موطنه الأصلى وبين أبطاله الحقيقين ، وذلك بعد تحديد موعد العرض رسمياً، حيث لا تزال تجرى الدراسات الأمنية الخاصة بموقع العرض. وكانت لوحة سوق الجمعة التي تبلغ مساحتها 23 مترا وارتفاعها 140 سنتيمتراً قد دخلت موسوعة "جينس" للأرقام القياسية فى العالم ، وعن هذا يعلق الفنان طه قرنى قائلاً: لم يكن هدفى هو الموسوعة بالأساس ولكن تقديم مذكرة لونية للمسؤولين للتعبير عن هذه الفئة المهمشة ، ومن وجهة نظرى فهذه هى الرسالة التى يبعث بها العمل الذى قدمته، وأعتقد أن الرسالة أثمرت حين وجدت هذا الاهتمام من هيئة قصور الثقافة وعلى رأسها د.أحمد نوار والمحافظ عبد العظيم وزير ونقيب التشكيلين الفنان مصطفى حسين . جدير بالذكر أن اللوحة استغرقت ثلاث سنوات من عمره الفنى تفرغ خلالها لمعايشة البيئة التى صنعت فيها، سبقها أربع سنوات من المشاهدة والبحث والتأمل ، فكل شخصية تجسد موقعها فى اللوحة كما هو فى الطبيعة بملامحها الحقيقية ، ليستقر على تلك الوجوه التي تحمل السمات المصرية القديمة، والمستحدثة بتيماتها ومصطلحاتها وتعبيراتها، وأنواع ملبسها المختلفة والتى تشكل فى المجمل العام حالة يجب التوقف عندها . وتفردت كذلك اللوحة العالمية فى وحدة الرؤية النقدية ، حيث ثمة إجماع من النقاد على أهمية العمل وطرحه، وفى هذا الصدد تقول الناقدة فاطمة على: أعتقد أنه لم يسبق إليه أحد ولا حتى عالميا في رسم لوحة تمثل سوقاً شعبية ببائعيها وزبائنها وبضاعتها في مشهد مفتوح الخلفية بهذا الحجم، ومن الناحية الفنية نلاحظ أن التصميم والتكوين لهذه المساحة من العمل أجاد فيه الفنان بمقدرة تأكيد العمق، مثلما أكد على المسطح الأمامي حتى تبدو السوق وكأنها خارجة من بطن الجبل ماديا ومعنويا وإنسانيا، متربة بلون الفقر الرمادي وهو أيضا لون الجبل وترابه الرمادي الذي كثيراً ما يغطي هذه المنطقة، كما تميز الفنان في تعامله مع الفراغ خلف اللوحة أو أعلاها والفراغات داخلها والتي تتماهى مع الفراغ الشاسع المحيط أمام جبل فقراء القاهرة القديمة. من جهة أخرى يقول الناقد السيد رشاد: هذا فنان توحدت ذاته مع فرشاته في اللوحة، حيث تلاشت الفواصل بين بؤر الإلهام في فراغات الروح المبدعة، ويقع الإبداع في المسافات السحرية على المساحات البيضاء، هذا العمل تلاشت خلاله الفواصل بين شخوصه، أزمنتها ومسمياتها وأحوالها وتجلت فيه وحدة المكان والإنسان والزمان متغيرا حاضرا يحمل ذلك التوتر الفني شديد الرهافة والسحر، عبر مكوناته الفيزيقية أو الميتافيزيقية على السواء.