احتفلت أمس السبت، دار الكتب بباب الخلق بتكريم الأديب الكبير بهاء طاهر فى الأمسية التى جمعته بالدكتور محمد صابر عرب الرئيس المؤقت لهيئة الكتاب ورئيس دار الكتب، إضافة إلى الدكتورة ليلى جلال المشرفة على دار الكتب بباب الخلق. افتتح "طاهر" الحديث قائلا: "أنا لست غريبا على دار الكتب التى كنت أتردد عليها فى مراهقتى وشبابى وخاصة أيام المدرسة الثانوية القريبة من الدار". وعن اتجاهه للتاريخ فى روايته الأخيرة "واحة الغروب" التى حصل بها على جائزة البوكر للرواية العربية قال: "الاتجاه للتاريخ ليست فكرة جديدة على كل حال، ونجيب محفوظ استلهم الكثير من أعماله من التاريخ الذى هو مادة خصبة وثرية للحكى. وسأله أحد الحاضرين عن رأيه فى المقولة الدارجة "القاهرة تبدع وبيروت تطبع وبغداد تقرأ" فقال: "لا أعتقد أن هذه المقولة صحيحة، خاصة فى ظل تنامى أعداد دور النشر الخاصة، وكل الناشرين الذين شكوا فى الماضى من الخسائر الفادحة التى تكبدوها جراء عملية النشر، يربحون حاليا من الكتب، وأضاف: فى الماضى كان الكتاب بحاجة إلى 5 سنوات لكى يتم توزيعه، ولكن معدلات القراءة زادت بشكل مضطرد فى السنوات الأخيرة، رغم الظروف الاقتصادية الطاحنة، ورغم أن التعليم لم يعد كما كان فى السابق. وأشار طاهر إلى أن "ريادة مصر الثقافية" لم تتزعزع ولم تتنازل عنها مصر لدولة أخرى، وأن المقولة السابقة يجانبها الصواب فى الشق الأول فقط "مصر تبدع" فمصر هى مهد الإبداع، لأنها أصل الثقافة كما أنهما متلازمان لا يفترقان. واستكمل قائلا: "المال لا يخلق ثقافة، وهكذا نرى دول الخليج لديهم أموال ولكن الريادة فى الإبداع دائما لمصر". ثم سُئل أيضاً عن "الهوة الشاسعة ما بين المثقف وبين الجمهور" فقال: "المشكلة تكمن فى أن الاهتمام الإعلامى منصب على الرياضة والترفيه بشكل كبير مع شبه تجاهل للثقافة، فإذا جمعنا ما نشر عن الثقافة خلال عام كامل، وقارناه بما نشر عن مباراة مصر وزامبيا فقط، فستكون المقارنة فى صالح الرياضة التى تحظى باهتمام كبير، وفى الماضى كان هناك توازن فى توزيع الاهتمامات، ولكن الإعلام أحدث خللاً فى اهتمامات الناس، ومن ثم الشعور بالهوة بين الجماهير والمثقفين. واتفق معه الدكتور محمد صابر عرب وقال: العالم يتغير وفقاً لآليات كثيرة من بينها أفكار ورؤى جديدة يتلقاها الأفراد والمؤسسات الذين يسهمون فى تحريك التاريخ المصرى، لذلك تضطرب العلاقة بين المثقف والجماهير ولنا فى طه حسين وأحمد لطفى السيد المثل على ذلك، فليس من الضرورى أن تكون العلاقة حميمية بين المثقف والجماهير. وأعرب طاهر عن أسفه لاندثار فن القصة القصيرة فى العالم كله، وفى مصر بالتبعية، الأمر الذى أرجعه لتفضيل الناشرين الأعمال الروائية عن القصص؛ لأن الرواية أكبر فى حجمها وتتفق مع ما سماه الأديب "ثقافة الكومبو". وأشار إلى أن فن القصة القصيرة ازدهر مع ازدهار الصحافة الشعبية، وكانت الصحف تفخر بأن تنشر قصة ليوسف إدريس مثلا، وحاليا يضع الناشرون شروطا مجحفة لنشر القصة القصيرة منها ألا تزيد عن 300 كلمة، وهذه اعتبارات قاتلة للإبداع، وأصبح من النادر أن تجد نقدا أو تعليقا يتناول قصة قصيرة، وهى أزمة النقد والإعلام معا، واختتم قائلا: "رغم ما ذكرته ما زلت أنظر لمصر كجنة للقصة القصيرة فى العالم كله، فما زال عندنا كتاب قصة من كل الأجيال". وردا على سؤال اليوم السابع "هل تتفق مع ما ذهب إليه الدكتور جابر عصفور عندما صرح "نحن فى زمن الرواية"؟، فقال طاهر: "إذا صدقت صحة تلك النظرية فإن هذا يدعو للأسف، ولكننى على كل حال لا أتفق مع ذلك، فكل الفنون تتطور معا القصة والمسرح والرواية والشعر، كما أن أشهر الأسماء التى ذاعت فى الفترة الأخيرة كانت أسماء شعراء وليسوا روائيين، مما يؤكد أننا لسنا فى زمن الرواية، ولكننا نعانى من أزمة حقيقية فى مجال النقد هى التى أسهمت فى ذيوع تلك الأقوال. كما لفت "عرب" إلى أن القصة القصيرة لا تشبع طموحات القارئ فى القراءة لأنها تنتهى سريعا، فى الوقت الذى تترك فيه القارئ نهمًا ولم يشبع بعد، وأضاف: "على الرغم من إننى أحسب على المؤرخين إلا أننى متابع جيد لكل ما ينشر فى الأدب". واختتم الحفل بتسليم "طاهر" درع الدار وتوقيعه لكتاب "نقطة نور" الذى صدر مؤخرا عن "دار الكتب" فى تقليد متبع عند تكريم الأدباء.