وسط سيناء يرفع درجة الاستعداد مع بدء العام الدراسي الجديد    جامعة المنصورة الأهلية تناقش استعدادات العام الدراسي الجديد    محافظ أسوان يعلن ربط وتسليم خط المياه الناقل من جبل شيشة لأبو الريش    أسعار السكر بالسوق المحلي اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء استعدادات المحافظات لاستقبال العام الدراسي 2024-2025    حزب الاتحاد: "بداية" تتكامل مع المبادرات الرئاسية للارتقاء بمعيشة المواطن    فيديو.. فيضانات وانهيارات طينية تضرب شمال وسط اليابان    إطلاق 90 صاروخا من جنوب لبنان تجاه شمال إسرائيل    الدوري الإنجليزي، ليفربول يتقدم على بورنموث بثلاثية في الشوط الأول (صور)    ماذا يحدث في أسوان؟ (القصة الكاملة)    حصيلة 24 ساعة.. ضبط 12248 قضية سرقة تيار كهربائى    مدير مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة يشارك في بطولة «فيلا رشدي بيه»    الثنائي المرعب.. هاني فرحات وأنغام كامل العدد في البحرين    رئيس الوزراء: نستهدف زيادة صادرات قطاع الأدوية إلى 3 مليارات دولار    سان جيرمان يفتقد حكيمي ودوناروما وأسينسيو في مواجهة ريمس بالدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يتفقد مجمع مصانع شركة إيفا فارما للصناعات الدوائية    محافظ المنيا: ندعم أي مصنع يقدم منتجا تصديريا عالي الجودة يحمل اسم مصر    حلة محشي السبب.. خروج مصابي حالة التسمم بعد استقرار حالتهم الصحية بالفيوم    منتدى شباب العالم.. نموذج لتمكين الشباب المصري    رابط الحصول على نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها عبر الموقع الرسمي    قصور الثقافة تختتم أسبوع «أهل مصر» لأطفال المحافظات الحدودية في مطروح    مبادرات منتدى شباب العالم.. دعم شامل لتمكين الشباب وريادة الأعمال    محافظ المنوفية يتابع الموقف النهائي لملف تقنين أراضي أملاك الدولة    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    اليوم ...المركز القومي للسينما يقيم نادي سينما مكتبة مصر العامة بالغردقة    بعد إعلان مشاركته في "الجونة السينمائي".. فيلم "رفعت عيني للسما" ينافس بمهرجان شيكاغو    «جنايات الإسكندرية» تقضي بالسجن 5 سنوات لقاتل جاره بسبب «ركنة سيارة»    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    في اليوم العالمي للسلام.. جوتيريش: مسلسل البؤس الإنساني يجب أن يتوقف    مباشر مباراة ليفربول وبورنموث (0-0) في الدوري الإنجليزي لحظة بلحظة    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    بعد 182 مليار جنيه في 2023.. برلماني: فرص استثمارية بالبحر الأحمر ونمو بالقطاع السياحي    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    إخلاء سبيل المفصول من الطريقة التيجانية المتهم بالتحرش بسيدة بكفالة مالية    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    يوفنتوس يجهز عرضًا لحسم صفقة هجومية قوية في يناير    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عطر الأحباب .. ضاحية هليوبوليس والفن الأصيل
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 02 - 2014

إنها هليوبوليس أو مصر الجديدة..الضاحية العريقة بشرق القاهرة. بناها وأسسها البارون البلجيكى المليونير إمبان «1852/ 1929»، حيث بدأ تشييدها فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى عام 1905، وظلت تتوسع فى عهدى السلطان حسين باشا كامل ثم الملك أحمد فؤاد الأول، تحتشد بطرازات معمارية أوروبية إسلامية/ حدائق/ قصور/ فيلات/ عمارات سكنية، لجميع طبقات المجتمع المصرى، بالإضافة إلى مدارس للأجانب والمصريين/ دور عبادة/ مقابر/ أسواق تجارية متنوعة وشاملة/ كازينوهات/ رستورانات/ بارات/ صالات بلياردو رقص أفرنجى/ مستوصفات/ مطار ألماظة سنة 1930/ قسم بوليس ونقطة «مطافى» 1920 وغيرها.
كما يوجد بها أكثر من 10 دور عرض سينمائية صيفى/ شتوى/ مسارح، ومن أشهرها على الإطلاق ومنذ سنة 1925 كانت:
سينما نورماندى - بالاس - فريال - الحرية لسيبرتيه - كشمير - وازيس - سفير/ محمد على - كريستال - ريو - روكسى، هذا غير دور سينما ملحقة بكبرى النوادى الرياضية القديمة خاصة: هليوبوليس، هليوبوليس سبورتنج كلوب، إيلاتيز - ولهذا صورت بها أجمل وأقدم الأفلام السينمائية المصرية القديمة «عصر الأسود والأبيض»، وكذلك سكنها قدامى فنانى مصر من جيل الدليل الأول والثانى والثالث ومن أشهرهم كان السادة:
1 - الفنان حسين بك رياض
2 - أحمد بك علام
3 - عبدالوارث عسر
4 - محمود المليجى وحرمه الفنانة علوية جميل
5 - جورج بك أبيض وحرمه دولت هانم أبيض
6 - الفنان الموسيقار سعد عبدالوهاب
7 - الفنان عز الدين ذو الفقار وزوجته السيدة فاتن حمامة ولها محطة مترو باسمها منذ 1955
8 - الفنان أحمد حافظ مظهر
9 - الموسيقار كمال الطويل
10 - الشاعر حسين السيد
11 - كوميديان مصر الأول إسماعيل ياسين
12 - الفنان الشامل محمود إسماعيل
13 - الفنان الشامل حسن حامد
14 - الفنان الشامل على رحمى
15 - الفنانة ميرى منيب
16 - الفنانة فايزة أحمد «عمارة عبدالحميد باشا توكل 1955».
17 - الفنان يحيى شاهين «عمارة عبدالحميد باشا توكل 1955».
18 - الفنانة بطلة مصر فى السباحة صوفى ثروت، لبنى عبدالعزيز
19 - الفنانة جميلة جميلات مصر نيللى مظلوم، كيتى الراقصة اليونانية، برلنتى عبدالحميد
20 - الفنانات مها صبرى، شويكار، نادية لطفى، رجاء عبده، راقية إبراهيم
21 - الفنانات الأرمنيات: فيروز الطفلة المعجزة، نيللى، ليلة، أنوشكا
أما عن أشهر الأفلام السينمائية القديمة التى صورت داخل هذه الضاحية الشهيرة كانت هذه المجموعة تحديداً:
1 - يوم سعيد للمخرج محمد كريم وبطولة عبد الوهاب وسميحة سميح والطفلة فاتن حمامة 1940
2 - الوسادة الخالية 1957
3 - أين عمرى 1956
4 - عيون سهرانة 1955
5 - موعد فى الفجر 1956
6 - سيدة القصر 1958
7 - حكاية حب 1958
8 - رحمة من السماء 1955
9 - غداً يوم آخر 1956
10 - مع الأيام 1957
11 - صراع الجبابرة 1958
12 - كلهم أبنائى 1962
13 - قلب فى الظلام 1960
14 - السراب 1968
15 - يوم من عمرى 1962
وغير ذلك من أفلام كثيرة، وقد يكون اتساع الضاحية والهدوء والمناظر الجميلة المتنوعة قد أغرى المخرجون على التصوير فى أرجائها، فضلا على اتساع الشوارع والميادين والحدائق وقلة عدد السكان نسبياً، مع وجود طرازات عديدة من القصور والفيلات الفاخرة المملوكة للعديد من العائلات المصرية الثرية العريقة مثل آل: السيد عمر مكرم - أدهم باشا - لملوم باشا - طبو زادة باشا - عطا الله باشا - المنشاوى باشا - المصرى باشا - السنارى باشا - يحيى باشا سعد - الدولى باشا - الجيار - واكد - الكردى - كسيبة - علام - حمزة - طاهرة زكى، الملك سعود، أمير الكويت، ملك أفغانستان، وغيرهم من المشاهير الذين لم يتقاضوا مليمًا واحدًا من المنتجين لزوم السماح بتصوير هذه الأفلام الشهيرة داخل ممتلكاتهم الفاخرة، أضف إلى ذلك تواجد مطارين فى تلك الضاحية هما: ألماظة الحربى، مطار القاهرة الدولى القديم منذ 1930.
حقاً كانت أيام جميلة وذكريات كلاسيكية رومانسية لا تنسى مهما مرت عليها سنوات العمر الطويل وتقلبات الزمن.
◄محمود ياسين الظاهرة الفريدة فى حياتنا الفنية!
فى 19 فبراير 1941 ولد النجم محمود ياسين، كما تؤكد معظم المصادر، وطوال فترة السبعينيات من القرن الماضى تربع على عرش السينما المصرية بامتياز، فكان هو البطل الأول فى غالبية الأفلام التى ينجزها المخرجون آنذاك، حتى صار اسمه وملامحه وطريقة أدائه وتسريحة شعره، وحتى موديلات «قمصانه وبدله» عناوين لعصر وإشارات لزمن، فهل موهبته المتميزة هى التى جعلته يصعد عاليًا هكذا فى سماء الفن؟ أم أن للظروف دورًا آخر لا يقل أهمية عن مهاراته فى التمثيل؟
◄الهزيمة والنجم الصاعد
فى ظنى أننا لا يمكن أن نفهم أية ظاهرة فنية بدون الالتفات إلى الأجواء المحيطة التى انبثقت منها هذه الظاهرة، كما لا نستطيع تفسير الحضور الطاغى لمحمود ياسين فى سبعينيات القرن المنصرم بدون تقديم قراءة دقيقة لهذه الفترة من حياتنا فى مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، فضلا على الفن بطبيعة الحال.
لعلك تعلم أن محمود ياسين اقتحم عالم السينما قادمًا من دنيا المسرح، حيث انضم إلى المسرح القومى مع منتصف الستينيات، وشارك بالتمثيل فى عدة عروض متنوعة من أهمها «ليلة مصرع جيفارا العظيم» للكاتب ميخائيل رومان والمخرج كرم مطاوع، وقد حقق حضورًا لا بأس به على الخشبة، لكن تشاء المقادير أن يصعد نجم الممثل الجديد مع هبوط نظام سياسى عتيد، فقد استقبلت السينما وجه محمود ياسين عقب هزيمة 1967، إذ قدم مجموعة من الأدوار الصغيرة بدأها بفيلم «ثلاث قصص قصة دنيا الله لنجيب محفوظ للمخرج إبراهيم الصحن» وقد عُرض فى 12 فبراير 1968 حيث قدم دورًا صغيرًا جدًا، لكن الغريب أن اسمه كتب فى مقدمة الفيلم هكذا «محمد فؤاد ياسين» وليس «محمود»، وليس عندى تفسير لذلك، فحسب علمى أن اسمه محمود فؤاد ياسين!
على أية حال شارك محمود بعد ذلك فى أدوار صغيرة فى أفلام «القضية 68» لصلاح أبوسيف، و«الرجل الذى فقد ظله» لكمال الشيخ، وفى عام 1969 لاح فى أكثر من مشهد فى فيلم «شىء من الخوف» لحسين كمال الذى منحه الدور الثانى فى فيلم «نحن لا نزرع الشوك/ 23 مارس 1970»، فحقق حضورًا مميزا، فلما اختارته فاتن حمامة ليلعب أمامها البطولة فى «الخيط الرفيع/ عرض فى 13 سبتمبر 1971» انفتح باب المجد على مصراعيه أمام الفنان الواعد، لماذا؟
من المعروف أن المزاج العام للشعوب يتغير بشكل لافت عقب الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى، فلما انقصم ظهر مصر مع هزيمة 1967 ارتفع حائط صد نفسى كبير بين الجماهير، وكل من كان له حضور اجتماعى قوى قبل الهزيمة، حتى عبدالناصر نفسه لم يسلم من الغمز واللمز، لذا لم يكن غريبًا أن يطال الشحوب نجوم السينما الذين كانوا يملأون الشاشة قبل الهزيمة، وإذا اتفقت معى على أن السينما فن ينهض على الشباب بشكل رئيسى، من حيث الموضوعات المطروحة على الشاشة، ومن حيث أن غالبية رواد السينما من الشباب، فإن نجوم ما قبل الهزيمة كانوا قد تجاوزوا الأربعين وما زالوا يمثلون أدوار الشباب، وهو أمر لم يعد سائغا لدى الناس!
تعال نتذكر هؤلاء النجوم فى عام 1967 ونستعرض أعمارهم فى تلك السنة «أحمد رمزى 37 سنة/ رشدى أباظة 41 سنة/ شكرى سرحان 42 سنة/ فريد شوقى 47 سنة/ أحمد مظهر 50 سنة/ فؤاد المهندس 43 سنة/ صلاح ذو الفقار 41 سنة/ عبدالحليم حافظ 38 سنة/ يحيى شاهين 50 سنة/ محسن سرحان 53 سنة»، أما حسن يوسف ومحمد عوض فعمراهما حول الثالثة والثلاثين، أى أن أولئك النجوم قد تجاوزوا مرحلة الشباب وصاروا من الرجال الكبار الذين ترك الزمن آثاره على ملامحهم، فبات من الصعب تصديق أن عبدالحليم طالب فى الجامعة فى فيلم «أبى فوق الشجرة 1969» وعمره أربعون سنة.. هذا على سبيل المثال!
◄محمود.. المصرى الجاد
أظنك تدرك أن المصريين لم يكابدوا شعورًا بالمرارة كما كابدوه بعد هزيمة 1967، فاعترى الناس، خاصة الشباب، قدر كبير من الاكتئاب والحزن، بعد أن كانوا مترعين بأحلام عظيمة وأمنيات كبيرة مع الصعود الناصرى، فلما طل وجه محمود ياسين على الشاشة، شعر المشاهد أن هذا الشاب يشبهه، فقسماته تكتسى بحزن عميق، الحاجبان كثيفان مقرونان، والعينان عميقتان تبرقان بجدية دون تجهم، والوجنتان بارزتان قليلا لتمنح الوجه مسحة من إجهاد وكفاح، والبشرة خمرية مثل غالبية المصريين، أما جبينه فمنبسط كدليل للعزة والكبرياء، وكذلك يسهم طوله ونحافته النسبية فى تأكيد مشاعر الجدية، ويبقى صوته الرخيم وأداؤه الناصع ليضفيا على شخصيته الأصالة والاحترام «تأمل ملامحه فى أفلام نحن لا نزرع الشوك/ الخيط الرفيع/ أغنية على الممر/ الزائرة/ ليل وقضبان/ أختى» وكلها أفلام أنجزت فى الفترة من 1970 حتى 1973.
بعد حرب أكتوبر 1973 لعب محمود ياسين بطولة معظم الأفلام التى تناول صناعها هذه الحرب، ففى الذكرى الأولى للحرب أى فى 6 أكتوبر 1974 عرضت له السينما فى يوم واحد فيلمين هما «الوفاء العظيم» للمخرج حلمى رفلة، و«الرصاصة لا تزال فى جيبى» لحسام الدين مصطفى، وبعدها بأسبوع واحد فقط رأيناه جنديًا شارك فى الحرب فى فيلم «بدور» للمخرج نادر جلال، ولك أن تعلم أن الأفلام الأخرى التى عرضت فى تلك الفترة أى من أغسطس حتى ديسمبر 1974 كانت غالبيتها تتسم بسذاجة الطرح.. مصنوعة على عجل، لا تقدم فكرة جادة أو تطرح رؤية جيدة، بعكس الأعمال التى قدمها محمود ياسين عن الحرب برغم أى مآخذ يمكن لنا أن نلتفت إليها الآن. تعال نستعرض معًا أسماء هذه الأفلام الساذجة التى قدمت فى تلك الفترة لتدرك لماذا التف الجمهور حول محمود ياسين صاحب الأعمال الجيدة التى تحترم عقل المشاهد وذائقته الفنية، خذ عندك «عريس الهنا/ فى الصيف لازم نحب/ إمبراطورية المعلم/ بمبة كشر/ شياطين إلى الأبد/ 24 ساعة حب/ عجايب يا زمن»!
◄المأزوم نفسيًا
كما هى العادة.. تنتاب الشعوب حالات من الاكتئاب والإحباط بعد الثورات والحروب، خاصة إذا كانت النتائج القريبة لهذه الثورات والحروب مخيبة للآمال، وقد مرّ بمصر شىء يشبه هذا إلى حد كبير، فبعد انتصارنا فى حرب 1973، انقلب النظام السياسى رأسًا على عقب، وصافح السادات أعداء الأمس، وتملص من أصدقاء أول أمس ولعنهم، وتم اغتيال عبدالناصر - الرمز - معنويًا بالكلمة والصورة، وتصدرت صور قادة إسرائيل الصحف المصرية بوصفهم أصدقاء، «تذكر قول السادات: «صديقى بيجين»، وانفتح الباب واسعًا أمام انفتاح «السداح مداح» بوصف الرائع أحمد بهاء الدين، فتمزقت أفئدة الشباب، وتقلبوا على أسرّة الحيرة والتردد، فكانت النتيجة إنتاج «شاب» مأزوم نفسيًا.. حائر فكريًا.. مشوش ذهنيًا.. فقد البوصلة المرشدة إلى التقييم الصحيح، ولم يكن يوجد ممثل قادر على تجسيد هذه الاضطرابات النفسية والعقلية التى يكابدها الشباب أفضل من محمود ياسين، وهكذا انهمرت أفلامه التى تتكئ على الاهتمام بطرح الشخصية المضطربة على الشاشة مثل «الحب الذى كان/ 31 ديسمبر 1973» للمخرج على بدر خان، «أين عقلى/ 21 يناير 1974» لعاطف سالم، «قاع المدينة/ 28 يناير 1974» لحسام الدين مصطفى، «الكداب/ 5 أكتوبر 1975» لصلاح أبوسيف، «العش الهادئ/ 18 أكتوبر 1976» لعاطف سالم، «سونيا والمجنون/ 10 يناير 1977» لحسام الدين مصطفى، «امرأة من زجاج/ 21 مارس 1977»، و«العذاب امرأة/ 21 نوفمبر 1977» لأحمد يحيى.
فى كل هذه الأفلام وغيرها يلوح لنا محمود ياسين متوترًا.. عصبيًا.. حائرًا، ينشد الحق واليقين بلا جدوى، ولعلك تذكر المشهد البديع الذى قدمه فى فيلم «سونيا والمجنون» حين قتل المرابية العجوز، وكيف اعتراه الذعر عندما رآها تخرج حية بعد أن هوى على رأسها بالسكين! إن هذه البراعة فى تقمص ح الة الشاب الموتور عصبيًا وذهنيًا جعلته يحقق نجاحًا مدهشًا حين قدم للتليفزيون مسلسلات متميزة تنهض على فكرة المأزوم نفسيًا مثل «الدوامة» و«الأبله» ومسلسل «القرين»، وكلها أعمال عرضت فى السبعينيات، وكان المشاهدون ينتظرونها على أحر من «الفن»!
◄مع النجمات
بلغ محمود ياسين من المجد السينمائى ما لم يبلغه أى فنان من جيله، فقد كان هو الممثل الوحيد الذى تمتع بالقيام بالدور الأول أمام كل نجمات السينما اللاتى سبقنه فى الظهور على الشاشة الفضية، فقد شارك السيدة فاتن حمامة فى ثلاثة أفلام هى «الخيط الرفيع/ حبيبتى/ أفواه وأرانب»، ومع نادية لطفى قدم «قاع المدينة/ الأب الشرعى»، ومع ماجدة «أنف وثلاث عيون»، وشادية «نحن لا نزرع الشوك/ الشك يا حبيبى»، أما سميرة أحمد فقدم معها «ليل وقضبان/ امرأة مطلقة» ومع برلنتى عبدالحميد قدم «العش الهادئ»، وسعاد حسنى «الحب الذى كان/ أين عقلى/ على من نطلق الرصاص»، وكان بطل آخر فيلم للمطربة الجميلة نجاة «جفت الدموع»، وبطل الفيلم الوحيد للمطربة الرائعة عفاف راضى «مولد يا دنيا»، علاوة على نجمات جيله نجلاء فتحى ونيللى وناهد شريف وسهير رمزى، والجيل الذى تلاه أمثال يسرا وليلى علوى وآثار الحكيم.
أكثر من 160 فيلمًا هى رصيد محمود ياسين فى بنك السينما، فلما انقضى عقد السبعينيات، وتغير الذوق العام للجماهير، وودع نجمنا عمر الشباب، بدأت السينما تعامله بحساب، وراح نجوم جدد يزاحمونه على شباك التذاكر حتى ابتعد تقريبًا عن الشاشة مع مطلع النصف الثانى من الثمانينيات، ثم توقف تمامًا عن العمل بالسينما لمدة عشر سنوات تقريبًا، وعاد فى السنوات الأخيرة مع فيلم «الجزيرة» ليلعب دور الأب العجوز!
◄ذكريات خاصة
أرجو ألا يغيب عن فطنتك أن محمود ياسين ما كان له أن يحقق كل هذا النجاح لو لم يكن الرجل مزوّدًا بثقافة عريضة ومدعومًا بأخلاق حميدة، فطوال مشواره السينمائى لم يتعرض لأية شائعة شائنة أو خبر سيئ، كما يحدث لكثير من الفنانين، الأمر الذى جعل الناس تكن له تقديرًا خاصً.
بالنسبة لى فقد فتنت بتمثيله وأنا صبى، فكنت أحرص على مشاهدة أفلامه فى السينما، كما أننى ظللت أرسمه مئات المرات بلا مبالغة مستخدما جميع الخامات، سواء القلم الرصاص أو الجاف، أو الألوان المائية والخشبية، وقد أتيح لى إجراء حوار طويل معه دام نحو ثلاث ساعات قبل 16 سنة، حيث تحدثت معه فى فيلته بالهرم عن علاقته بالقراءة والثقافة بشكل عام «نشر الحوار فى جريدة البيان الإماراتية آنذاك»، وأشهد أن الرجل واسع الاطلاع.. يمتلك ذهنا صافيًا مرتبًا، وقد بلغ به الأمر فى عشقه للقراءة أن قال لى «أنا مجنون كتب، واسأل عنى الحاج مدبولى صاحب المكتبة الشهير».
فى ذكرى ميلاد نجمنا الكبير لا نملك سوى أن نهمس فى أذنه:
أستاذ محمود.. دمت مشمولا بالصحة والسعادة ووفرة الإبداع.
◄جفنه علم الغزل أول أغنية مصرية على إيقاع الرومبا
عرفت الموسيقى العربية فن غناء القصيدة فى منتصف القرن التاسع عشر، وقد برز فيه الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب «1795/ 1928».. أجل.. عاش 128 عامًا، وهو يعد بمثابة آدم الموسيقى والغناء فى مصر والعالم العربى، وقد سار على نهجه تلميذاه محمد عثمان «رحل عام 1900» وعبده الحامولى «مات عام 1901»، ثم احتل المراكز الأولى فى تلحين وغناء القصائد الشيخ سلامة حجازى «توفى 1917»، والشيخ أبوالعلا محمد أستاذ أم كلثوم «رحل عام 1942»، بعد ذلك رفع عبدالوهاب «1897/ 1991» راية تلحين وغناء القصائد العربية، وقد حقق فى هذا المجال نجاحات مدهشة، «تذكر: يا جارة الوادى/ أنا أنطونيو/ علموه كيف يجفو/ رًدّت الروح على المضنى معك/ خدعوها بقولهم حسناء/ منك يا هاجر دائى»، وكلها أنجزت فى عشرينيات القرن الماضى.
لكن مع حلول عام 1932 أقدم عبدالوهاب على اقتحام دنيا السينما، وقام بإنتاج وبطولة أول أفلامه «الوردة البيضاء»، إذ شدا فى هذا الفيلم بقصيدة واحدة هى «جفنه علم الغزل»، ومن عجب أنه كان قد أنهى تصوير الفيلم فى باريس، دون أن يكون لهذه الأغنية أى وجود، وسافر إلى برلين تاركا المخرج محمد كريم فى باريس يتابع عمل المونتاج وخلافه، وفجأة عاد إلى باريس ومعه الأغنية.
تعال نطالع ما كتبه المخرج فى مذكراته التى نشرتها أكاديمية الفنون: «بعد بضعة أسابيع عاد عبدالوهاب من برلين، وما كاد يلقانى حتى طلب أن أنفرد به، وقال: فيه مسألة خطيرة جدًا يا أستاذ كريم، فاضطربت قليلا.. وبلعت ريقى وقلت له: خير.. فيه إيه؟ فقال: أنا سجلت أغنية جديدة فى برلين اسمها «جفنه علم الغزل» وهى من شعر بشارة الخورى، وقد لحنتها على نغمات «الرومبا»، ويهمنى جدًا أن تدخل الأغنية دى فى الفيلم بأى شكل.. لاسيما وأن هذا لون جديد من الموسيقى بمصر.. وأنا واثق أنها ستنجح.. فرحبت بالفكرة، ووجدت للأغنية الجديدة مكانا مناسبًا فى حوادث الفيلم.
انتهى كلام محمد كريم، ولم ينته إعجاب الملايين بالأغنية التى ظلت تمتع الناس من قرن إلى آخر، حتى جاء المطرب المتفرد على الحجار وأعاد غناءها بتوزيع جديد، فازداد غرام المستمعين بها.
لقد أضاف عبدالوهاب إلى الموسيقى العربية الكثير، وها هو يطعّمها بإيقاع «الرومبا» فتتفجر طاقات إبداعية جديدة تستجيب لأشواق الناس فى البحث عن المتعة الخالصة والرفيعة.
رجاء.. انصت إلى «جفنه علم الغزل».. وتأمل بأذنيك براعة اللحن وسحر الأداء وحلاوة الكلمات.
◄زكى رستم.. الممثل الجبار اختارته مجلة فرنسية ضمن أهم 10 ممثلين فى العالم!
من منا لا يحب زكى رستم؟ ومن منا لم ينفعل بالأدوار المتنوعة التى جسدها باقتدار على شاشة السينما؟ فلعله الوحيد الذى تنقل بين الشخصيات المتناقضة بيسر وسهولة، فهو باشا طيب وجدّ حنون ملتاع على ضياع حفيدته فى «ياسمين 1950»، وموظف بسيط مسالم فى «معلش يا زهر 1950»، وبلطجى عنيد لا تعرف الرحمة طريق قلبه فى «عائشة 1953»، إذ يضرب زوجته ويبيع ابنته لأحد البكوات، ثم ينفطر قلبه على مصرع ابنه، فيلين فؤاده ويتوب إلى الله زاهدًا فى كل شىء، وهكذا أقنعنا فى فيلم واحد بشخصيتين متعارضتين تمامًا، فكرهناه فى البداية واغرورقت عيوننا بالدموع تعاطفا معه فى النهاية.
ومن ينساه وهو رئيس عصابة مخيف يسدد نظراته المرعبة، فترتجف القلوب فى «النمر 1952»، ومعلم شرس جبار فى «الفتوة 1957»، أو تاجر مخدرات يدارى إجرامه خلف تدين شكلى مزيف فى «رصيف نمرة 5 فى 1956»، ثم وزير قاس.. جاف المشاعر.. منتقم فى «نهر الحب 1960»، أو موظف بسيط يحمل على كاهله تربية بناته الأربعة فى «أنا وبناتى 1961». إنها أدوار خالدة لواحد من أهم ممثلى مصر على الإطلاق.
فى 15 فبراير من عام 1972 غاب عن دنيانا زكى رستم بعد رحلة فنية ثرية بدأها بالتمثيل على المسرح فى فرقة رمسيس التى أسسها يوسف وهبى عام 1923، أما أول أفلامه فتمثل فى مشاركته فى بطولة فيلم «زينب» الصامت المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه لمحمد حسين هيكل، وهو الفيلم رقم 11 فى تاريخ السينما المصرية، إذ عرض فى 9 إبريل 1930، وقد حققه المخرج محمد كريم الذى كتب فى مذكراته عن زكى رستم هذه العبارة: «اخترت زكى رستم للقيام بدور حسن زوج زينب، وكان زكى من أبرز ممثلى مسرح رمسيس، صاحب شخصية ممتازة فى تلك الفترة». ومن العجب أن كريم استعان بزكى رستم فى تحقيق فيلمه الثانى وهو «الوردة البيضاء 1933»، حيث لعب فيه دور غريم عبدالوهاب الذى يدبر له المؤامرات ليفوز بقلب البطلة!
اللافت فى أداء هذا الممثل العبقرى زكى رستم أنه تخفف من النبرة العالية الزاعقة للأداء المسرحى التى كانت سائدة فى ذلك الزمن البعيد، واعتمد على نظرة العين ورعشة الشفتين والإيماءات الدالة التى تفصح عن نواياه، وهى أدوات الممثل السينمائى الموهوب، كما أنه استفاد من عالم المسرح فى طريقة نطقه للحروف، ولعلك لاحظت أن الكلمات والحروف تخرج من فم زكى رستم واضحة جلية، تصل لأذن المتلقى بسهولة فتشقيه وتعذبه إذا كان يتقمص شخصية الرجل الشرير، أو تحنو عليه وتترفق به إذا كان ينتمى إلى طائفة الطيبين، لذا لم يكن غريبًا أن تختاره مجلة «بارى ماتش» الفرنسية ضمن أفضل عشر ممثلين عالميين.
بقى أن تعرف أنه ولد فى 25 مارس 1903 وفقا لمعظم المصادر المتاحة، وأنه كان فى شبابه المبكر من أبطال حمل الأثقال، كما أنه عاند الطبيعة ولم يتزوج، ولما رفع أجره بصورة كبيرة فى عام 1967 عقب عرض فيلمه الأخير «إجازة صيف» انفض عنه المنتجون وهجروه، وظل خمس سنوات كاملة بلا عمل حتى رحل عن دنيانا فى 15 فبراير من 42 سنة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.