شكك خبراء اقتصاديون فى البيانات والتقارير الحكومية الخاصة بمعدلات التضخم، كما شككوا فى قدرة البنك المركزى على التعامل معها بشكل كامل. جاء ذلك أثناء ورشة عمل نظمها مركز معلومات مجلس الوزراء لمناقشة التقرير الدولى للحرية الاقتصادية ووضع مصر فيه. وأكد الخبراء أن الحرية الاقتصادية كما أشار إليها التقرير لا يمكن تطبيقها على مصر، لانفلات السوق وارتفاع معدلات التضخم وعدم قدرة البنك المركزى على السيطرة عليه، كما يرون أن تحرير التجارة بالمفهوم الذى اتبعته مصر لم يؤت ثماره لأنها تعتمد على تحرير الواردات دون قاعدة إنتاجية. الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أكد أن مفهوم الحرية الاقتصادية الذى يتحدث عنه التقرير لا يمكن أن ينطبق على جميع الاقتصاديات، لأنه مفهوم شديد الخصوصية لظروف كل مجتمع. وأضاف عبد الخالق أنه ليس من المطلوب الوقوف أمام الحرية الاقتصادية ولكن على الحكومة المصرية تصميم منهجية تراعى المعايير المجتمعية الخاصة بها، كما اتهم الحكومة بعدم الشفافية، مشيراً إلى أنها عندما تقوم بصياغة قوانين فإنها لا تسمح للقوى المختلفة بالمشاركة وتصاغ لصالح أطراف بعينها. وحول تحرير التجارة يرى عبد الخالق أن التجربة المصرية أثبتت أنها لم تنجح بالشكل الكافى لأنها لم تنفذ بالشكل الأفضل، لافتا إلى ضرورة البدء بالصادرات وليس الواردات، وبناء قاعدة إنتاجية وتحديد آليات الانتقال لتحرير التجارة وتوقيت تنفيذ هذه العملية. وانتقد عبد الخالق ضعف الإنفاق الحكومى على البحث والتطوير، حيث يصل إلى مستوى متدن للغاية بنسبة 1% من إجمالى الناتج المحلى، فى حين يصل إلى 4.5% فى إسرائيل. من جانبه، قال الدكتور طارق مرسى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والمستشار بمركز معلومات مجلس الوزراء، إن هناك تشككا كبيرا فى مصداقية البيان الحكومى وانعكاسات التضخم، وهو ما يوضع عليه علامة استفهام كبيرة، خاصة بالنسبة للاقتصاديين خارج الحكومة. وأشار مرسى إلى أن السياسة النقدية من خلال البنك المركزى لا يمكنها وحدها استهداف التضخم، لأن التضخم مرتبط بالاستهلاك وهو أمر بعيد عن سيطرة المركزى، ويستدعى التواصل بين الجهات التى تحافظ على استقرار الأسعار، موضحاً أن سياسة استهداف التضخم تحتاج لبيانات كاملة أهمها بيان بالأجور الحقيقية والأرقام القياسية لأسعار الصادرات والواردات ومعدل النمو الحقيقى. الدكتورة هناء خير الدين، مدير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أكدت أنه لا يوجد توافق بين فئات المجتمع المتمثلة فى الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى على دور الدولة، مضيفة أن هذا الدور يختلف من يوم لآخر حسب شخصية الحكومة الموجودة. وقالت: "يجب الاتفاق على استراتيجية طويلة الأجل مستقلة عمن يقوم بتنفيذها، فلا يصح أن تتغير الاستراتيجية بتغير الوزير ونبدأ من الصفر من جديد"، وأشارت خير الدين إلى أن دور الدولة فى الاقتصاد المصرى غير واضح، كما أنه ليس من المعروف موقف الدولة أيضا من قضية اللامركزية. وأضافت أن أولويات الحكومة من الإنفاق العام غير واضحة، بالإضافة إلى أن هناك محاولات لتحسين مناخ الضرائب إلا أن منطق الجباية مازال سائدا دون النظر لظروف المجتمع، وعن دور الدولة خلال المرحلة القادمة ترى خير الدين أنه يجب التركيز على دورها فى إعادة التخطيط وتوزيع الموارد بشكل أكثر عدالة فى الأقاليم المختلفة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار فى البنية الأساسية لضمان التنمية المستدامة. ويرى الدكتور سمير رضوان الخبير الاقتصادى عضو مجلس إدارة هيئة الاستثمار، أن مصر قطعت خطوات جيدة فى طريق الإصلاح الاقتصادى، إلا أن هذا إصلاح غير كاف، مشيرا إلى أن إطلاق حرية السوق بدون ضوابط يؤدى لعواقب وخيمة، وهو ما يتطلب معرفة هدف السياسة الاقتصادية، هل هى كبح التضخم دون النظر للتشغيل أو السيطرة على التضخم مع الحفاظ على معدلات جدية للنمو. وقال رضوان إن التقرير غير كاف لتوضيح مناخ الأعمال فى مصر، فعند النظر إلى تسجيل المشروعات نجد أنها تعرضت لطفرة، وفى المقابل فإن تكلفة القيام بالأعمال بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة عالية، لافتا إلى وجود تضارب بين الوزارات وعدم تنسيق، مما يجعل عددا كبيرا من المستثمرين يعمل فى القطاع غير الرسمى، حيث إن نسبة 25-35% من الاقتصاد الحضرى فى مصر قطاع غير منظم، ومنخفض الإنتاجية والعائد.