كان (محمد) صلى الله عليه وسلم إنسانا قبل أن يكون نبيا، وذلك من أعظم الحظوظ التى غنمها فى التاريخ، فسيأتى يوم قريب أو بعيد يثور فيه الناس على الأمور الغيبية.. ولكنهم لا يستطيعون أن يثوروا على عبقرية (محمد) صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله). كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وأدباً وأكرمهم وأتقاهم وأنقاهم معاملة. قال عنه ربه عز وجل مادحاً وواصفاً خلقه الكريم صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم)، ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قبل البعثة يلقب (بالصادق الأمين)، وهذه الكلمة لها خطورتها ومكانتها، ومغزاها ومعناها. فالصدق والأمانة هما الأساس الأول لبناء النفس المستقيمة، وتكوين الخلق السوى. هنا.. أمتد مظهر رحمته حتى الى المنافقين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خيّر فى أمر اختار أيسره على أمته ليصدق فيه قول الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وبعد ذلك تأتى رحمته لأمته، لتتسع حتى أن الحق سبحانه وتعالى لما رأى حبه لأمته وحرصه على خيرها قال يا محمد لو شئت جعلت أمر أمتك اليك، فهل هناك أفضل من ذلك؟؟.. ونبى الإسلام سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة، والقرآن الكريم يدعو الجميع الى اعتناق الإسلام . ولعل مما يفسر ذلك أن كلمة (الإسلام) وردت فى القرآن على ألسنة كثير من الأنبياء وأتباعهم، وأطلقت على كل دين من الأديان السماوية التى سبقت هذا الدين . احبك يارسول الله .. احبك لانك لست الا انسانا له ذوق واحساس ولم تكن كما يصورك الجاهلون الذين رأوا عظمتك فى أن تكون حاكيا لوحى السماء، وما أنكر وحى السماء، ولكن أومن بأن فى السريرة الإنسانية ذخائر من الصدق والروحانية، وأنت أول نبى أعز السريرة الإنسانية. أليس دينك هو الدين الذى تفرد بالنص على أن المرء يتصل بربه بلا وسيط؟.. أحبك أيها الرسول الكريم واشتهى أن أتخلق بأخلاقك السامية، كنت إنسانا أيها الرسول قبل أن تكون نبيا، وتلك الإنسانية هى التى فتحت صدرك للصفح عن هفوات الناس، وهى التى جعلتك تنظر الى ضعفهم بعين العطف.. وهى التى قضت بأن تذوق ملوحة الدمع فى بعض الأحيان، أنت حاربت الشح.. وحاربت العبوس.. وحاربت البأس. أحبك لانك أعززت الشخصية الإنسانية يوم اعترفت بأنها صالحة للخطأ والصواب. وفى يوم مولدك العظيم.. أشكو إليك يا رسول الله، إن الشباب قد استنارت عقولهم وأظلمت قلوبهم وضمائرهم، إنهم فى شبابهم ناعمون.. أن نظام التعليم الجديد ومؤسساته انتزعت منهم النزعة الدينية حتى أصبحوا خبر كان.. أنهم هاموا بالغرب وجهلوا قيمتهم، يريدون أن يتصدق عليهم الغرب بكسرة خبز أو حفنة شعير، إنهم باعوا نفوسهم الكريمة من أجل لقمة حقيرة، فأصبحت الصقور التى تحلق فى السماء عصافير صغيرة لا شأن لها بالأجواء الفسيحة والمرامى البعيدة. إن فى إحياء ذكرى المولد النبوى الشريف وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذه المناسبة حثاً على الاقتداء والتأسى به! هذا ونسأل الله أن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله إلى يوم نلقاه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.