بعد شهر عسل طويل بين النظام المصرى والكنيسة امتد منذ 1981 وحتى الآن أى أكثر من ربع قرن، فإن ملامح الطلاق ونهاية شهر العسل تبدو فى الأفق وفى الحقيقة فإن البابا شنودة تحديداً، وهو بطريرك الكرازة المرقسية منذ عام 1971، كان يمسك بقاعدة التفاهم مع النظام بشدة ويرفض دائماً محاولات البعض من أقباط المهجر أو أقباط الداخل جره إلى معركة مع الدولة. ولم يكن هذا السلوك من البابا شنودة يتفق مع طبيعة البابا أو سياسة ثابتة للكنيسة المصرية فى عهده، بل إن عهد البابا شنودة تحديداً اتسم بالتوتر الشديد مع النظام المصرى فى عهد السادات وكان الصراع بين بينه والسادات عنواناً كبيراً فى السياسة بتلك المرحلة. ووصل الأمر إلى الاحتجاج الكنسى العلنى وعقد المجمعات الكنسية وإعلان هذا الاحتجاج عن طريقها، وكذا صيام البابا أو تعطيل الاحتفالات الدينية المسيحية الأرثوذكسية فى مصر كنوع من الاحتجاج وغيرها من أشكال هذا الاحتجاج. ولعل ذروة هذا الصدام كان قرار السادات بإلغاء تعيين البابا شنودة بطريركا للأقباط الأرثوذكس وبابا للإسكندرية وكان البابا شنودة قد رفع دعوى قضائية لإلغاء قرار السادات رقم 491 لسنة 1981 أمام محكمة القضاء الإدارى، إلا أن تقرير هيئة مفوضى الدولة وقرار المحكمة جاءا برفض الدعوى. وتم حل الموضوع ودياً بصدور قرار من الرئيس الجديد بإلغاء ذلك القرار. كان نجاح البابا شنودة فى إمساك كل الأوراق القبطية فى يده، وتدخله فى الأمور السياسية وتأييده المستمر لكل إجراءات الحكومة وخاصة فى الانتخابات مثار اعتراض داخل الوسط القبطى. البعض رأى أن تدخل البابا فى السياسة مخالف لتقاليد الكنيسة المصرية، والبعض اعتبر ذلك نوعا من التخاذل لا يليق بالبابا. وقد تصاعد تأثير ما سمى بالعلمانيين الأقباط – أى من غير الإكليروس الدينى الأرثوذكسي– فى الآونة الأخيرة، وقاموا بعقد أكثر من مؤتمر وحدث نوع من التلاسن والانتقادات بين الكنيسة وهؤلاء ووصل الأمر إلى حد التكفير والتخوين. ولعل البابا شنودة الذى يعانى من الشيخوخة أو من حوله من الإكليروس الموالين له شعروا بأن مكانة البابا تهتز ولا بد من فعل شىء لقطع الطريق أمام هؤلاء العلمانيين، وعدم ترك الساحة لهم ومن ثم ضرورة إظهار نوع من المعارضة للنظام وعدم ترك المساحة للعلمانيين. المفاجأة كل ما سبق كان فى إطار المذكرات أو التصريحات غير الرسمية، ولكن المفاجأة كانت فى تصريحات رسمية منسوبة لأحد كبار الكهنة الأرثوذكس، وهو لا يمكن أن يقول ذلك بدون موافقة البابا شنودة، وهو القمص مرقص عزيز كاهن الكنيسة المعلقة الذى قال "إن المسيحيين سوف يعيدون النظر فى تأييد جمال مبارك خليفة لأبيه وأنهم يرفضون التوريث بسبب استمرار النظام فى سياسته التعسفية ضد الأقباط، وتجاهل حقوقهم فى عهد الرئيس مبارك، ولا أظن أن تتغير الأحوال ويحصل الأقباط على حقوقهم فى عهد ابنه". هل هو طلاق حقيقى بين النظام والكنيسة، وهل تتكرر أحداث 1981، أم أن المسألة مجرد تقسيم أدوار للحصول على أكبر قدر من المكاسب فى إطار الشد والجذب. على كل حال فإن لغة وطريقة الانتقاد التى مارسها القمص مرقص توحى بأن المسألة خرجت من مجرد العتاب، وحتى لو تم احتواء الموضوع وتحققت مصالحة بين الكنيسة والنظام فإنها لن تعيش طويلاً، ليس لأن البابا شنودة تغير، ولكن لأن الظروف كلها تغيرت وكل الأمور تدفع فى هذا الاتجاه.