قر التحالف المسيحى الديمقراطى بزعامة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكى الديمقراطى (يسار الوسط) صباح اليوم الأربعاء، اتفاقا لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة فى البلاد، وكانت الشركات الألمانية قد بدأت حساب الكلفة التى ستدفعها نتيجة الأجندة الزمنية لتشكيل هذه الحكومة التى تضم يمين الوسط ويسار الوسط. ورغم التوقعات القوية باستمرار فولفجانج شويبله فى منصبه كوزير للمالية فى الحكومة الجديدة، فقد يدخل الوزير خلال ولايته الثانية تغييرات على ميركل من دول أوروبا بشأن التقشف الاقتصادى، ويشعر رجال الأعمال والاقتصاد فى ألمانيا بالقلق إزاء الأجندة الاقتصادية لتحالف المحافظين والاشتراكيين الجديد. ويشعر قطاع الصناعة بشكل خاص بالقلق من اتفاق الحزبين الكبيرين على برنامج للحكومة الائتلافية يتضمن وضع حد أدنى للأجور وفرض ضريبة المعاملات المالية على جميع المنتجات المالية وتغيير قوانين العمل وتحديد حصة للنساء فى مجالس إدارات الشركات. يقول كارستن برزيسكى المحلل الاقتصادى فى "آى.إن.جى.بنك": "لم تشهد ألمانيا أبدا حكومة تضع رؤية واسعة لها فى بداية حكمها.. هدف الحكومة الجديدة هو إعادة توزيع فوائد الإصلاحات الاقتصادية التى جرت فى السنوات الماضية". وذكرت صحيفة "فرانكفورتر الجماينة تسايتونج" الألمانية أن ضغوط رجال الأعمال وانتقاداتهم أجبرت مفاوضى الأحزاب المشاركة فى الائتلاف على تقليل سقف الطموحات بشأن وضع حد أقصى لدخول كبار مسؤولى الشركات. وتساءل إنجو كرامر الرئيس الجديد لاتحاد أرباب الاعمال فى ألمانيا فى كلمة له الأسبوع الماضى: "هل من الصواب أن نخاطر بقدرتنا التنافسية التى اكتسبناها بعد سنوات من العمل الشاق بإخضاع الشركات لضغوط جديدة من القواعد المتصلبة؟". والحقيقة أن سجل ميركل غير جيد بالنسبة لتطبيق خطة الإصلاح الصارمة من وجهة نظر مجتمع الأعمال، على الأقل. فقد تعرضت ميركل لانتقادات حادة من قادة الأعمال وخبراء الاقتصاد عندما تخلت عن خطة إصلاح شامل للاقتصاد الألمانى بعد تشكيل حكومتها الأولى عام 2005. كما أن فشل شركاء ميركل فى حكومتها الائتلافية الأخيرة، وهم الديمقراطيون الأحرار، فى الوفاء بوعودهم الانتخابية بشأن خفض الضرائب قد ساهم فى حالة من الاحباط أصابت الصناعة. والآن ومع اتجاه ميركل نحو بدء فترة حكمها الثالثة يخشى رجال الصناعة وخبراء الاقتصاد من تراجع فرص تطبيق أى إصلاحات اقتصادية جادة فى ظل حكومة يتم تشكيلها بصعوبة بالغة وبعد تقديم سلسلة من التنازلات من طرفى الائتلاف المرتقب. وقبيل المرحلة الأخيرة من مفاوضات تشكيل الحكومة بين الحزب المسيحى الديمقراطى وشقيقه الأصغر البافارى الحزب المسيحى الاجتماعى من ناحية والحزب الاشتراكى الديمقراطى، حذرت لجنة خبراء الاقتصاد الحكومية من تراجع الحكومة الجديدة عن الإصلاحات الاقتصادية التى بدأت العقد الماضى. وقالت لجنة: "حكماء الاقتصاد" فى ألمانيا إن اقتراحات وضع حد أدنى للأجور وزيادة مخصصات التقاعد لأمهات الأطفال المولودين قبل 1992 والتشجيع على التقاعد قبل بلوغ 67 عاما، كل ذلك سيضر بالأجيال المقبلة فى ألمانيا. وضغط الحزب الاشتراكى الديمقراطى فى محادثات تشكيل الحكومة الائتلافية مع التحالف المسيحى الديمقراطى بزعامة ميركل من أجل وضع حد أدنى للأجور وزيادة الإنفاق على الضمان الاجتماعى والبنية الأساسية، مع زيادة الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة. وقال المجلس المكون من 5 خبراء فى تقرير: "يبدو أن الموقف الاقتصادى الراهن والوضع الجيد نسبيا لألمانيا، مقارنة بالدول الأخرى المتضررة من الأزمات فى منطقة اليورو، سيواجه تحديات هائلة مستقبلا فى ضوء زيادة نسبة المسنين فى المجتمع الألمانى". وأضاف التقرير أن "التحديات المستقبلية ستكون أصعب فى مواجهتها إذا تم تخفيف أجندة إصلاحات 2010، أو التخلى عنها" فى إشارة إلى الإصلاحات التى طبقتها ألمانيا منذ عشر سنوات فى ظل حكم المستشار الاشتراكى السابق جيرهارد شرودر. وحاول الحزب المسيحى الديمقراطى صاحب أكبر كتلة نيابية فى البرلمان التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة على مدار شهرين فى ظل ما تحظى به ميركل من إشادة واسعة بفضل دورها فى مواجهة الأزمة الاقتصادية لمنطقة اليورو. ورغم إعلان الحزب الاشتراكى الديمقراطى قلقه من التداعيات الاجتماعية للتقشف المالى، فإن هذا لا يعنى أن ميركل لم تقتنع بالدعوات الصادرة من مناطق أخرى فى أوروبا من أجل تخفيف حدة موقفها الصارم بالنسبة للتقشف وضغط الإنفاق. ورغم ذلك يتوقع البعض إبداء ميركل قدرا من المرونة بشأن التقشف فى أوروبا مع اتجاه حزبها نحو انتخابات البرلمان الأوروبى العام المقبل وتزايد تهديدات حزب "البدائل لألمانيا" المناوئ لمنطقة اليورو. ويقول هيربرت دايتر المحلل الاقتصادى فى المعهد الألمانى للشئون الدولية والأمنية "سنرى نسخة معدلة قليلا لسياسة ميركل الحالية.. ستكون ميركل المخففة". يذكر أن الفضل يعود إلى أجندة إصلاحات 2010 فى زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الألمانى ومساعدته فى تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية.