لو كان حيا لاحتفلنا اليوم بعيد ميلاده السابع والسبعين، لكنه فارقنا منذ أشهر قليلة بعد مشوار طويل من الفن والحب والحياة، هو عبدالهادى الوشاحى، ذلك الفنان العالمى الذى عانى من التهميش والإقصاء والتعنت من قبل الدولة، ولم ترد إليه الثورة بعضا من التقدير الذى يستحقه، لكنه لم يكن ليأبه بهذا التجاهل الرسمى لأنه كان يجد جائزته فى تقدير الناس ومحبة التلاميذ وهو القائل: «جائزة الفنان التشكيلى كان يجب أن تكون كالنصب التذكارى، بأن تكون أعمال الفنان ميدانية؛ لأن هذا هو مكانها الطبيعى. وهذا بخلاف أغلب الأعمال النحتية الموجودة فى مصر حاليا والتى اعتبرها أعمالا قميئة، وغير فنية، لها تأثير فى ارتباك عقل الإنسان المصرى، فالنحت بصفة خاصة مكانه الطبيعى فى الهواء الطلق». هذا هو حلم «الوشاحى» الذى لم يتحقق حتى الآن داخل مصر، رغم احتفاء الدول الأوروبية به ووضع أعماله فى أكبر الميادين العامة هناك، والأندية العالمية ك «ريال مدريد بإسبانيا» الذى يحتفظ بالنسخة الوحيدة لتمثال «رجل الكرة»، وغيرها، كما أنها مقتناة فى كبرى المتاحف مثل متحف الفن المعاصر بأبيثا – إسبانيا، ومتحف الفن الحديث لبينجاثو بميلانو- إيطاليا، الأكاديمية المصرية بروما، إضافة إلى الأفراد الذين يقتنون نسخا فريدة من أعماله من دول فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا، اليابان، والولايات المتحدةالأمريكية. ولعل أكثر الأمثلة دليلا على ما لاقاه «الوشاحى» من تعنت وبيروقراطية غير مجدية هو تمثاله الشهير لعميد الأدب العربى «طه حسين»، فبعد أن تعاقدت معه وزارة الثقافة فى سبتمبر 1995 على إنجاز تمثال لعميد الأدب العربى وبعد أن أنجزه لم يتمكن من صبه فى البرونز وحوصر التمثال بمشاكل مكتبية وإدارية، وقامت وزارة الثقافة بإلغاء التعاقد واسترداد ما تسلمه «الوشاحى» من مبلغ مادى لشراء الخامات المستخدمة، لكن «الوشاحى» استمر فى عمله على نفقته الخاصة وأتم تمثال طه حسين، ومازال هذا التمثال الذى يعتبر أهم التماثيل ل«طه حسين» حبيسا بين كتل الطين والحديد فى مرسم الفنان الراحل. وهناك مثال آخر يدل على ما لاقاه «الوشاحى من تعنت وإهمال متمثلا فى أعماله الإبداعية، فقبل افتتاح مشروع مترو الأنفاق طلب من عدد من المبدعين بعض أعمالهم الفنية طبقا للقانون الذى ينص على تخصيص نسبة %2 من المنشأة للأعمال الفنية، وكان من ضمن هؤلاء النحات الراحل عبدالهادى الوشاحى والذى أخذ من أعماله تمثال «استشراف» - لا يوجد من هذا التمثال إلا نسخة واحدة غير مكتملة يعمل على إنهائها بعض تلاميذه داخل مرسمه - ووضع فى محطة مترو جمال عبدالناصر على آخر رصيف اتجاه المرج بجوار فتحات المجارى فى الظلام ليلقى مصيره ككثير من الأعمال الفنية المهملة، فى حين أن دولا غربية كإسبانيا تضع له نصبا تذكاريا فى بلدية «فالينسيا»، عبارة عن جدارية بعنوان «إلى فلاح»، وفى فرنسا يوضع تمثال «الخطوة الأولى» والذى يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار وربع المتر، فى أحد الميادين العامة، وكذلك فى إيطاليا. وكذلك تمثال «شهيد دنشواى» الذى دمر بكلية الفنون الجميلة، والتمثال الآخر المنتج سنة 1965، وخامته من الحديد، والأسمنت المباشر والظلط والذى فقد أيضا من كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية. فمتى سيتحقق حلم الراحل «سلطان النحت الطائر»، صاحب المنحوتات التى تتحاور مع الفراغ وتتغلب عليه فى اقتناص أكبر كتلة ممكنة منه لتطير كتلتها هى، ونرى هذه الأعمال العظيمة فى مكانها الذى خلقت له وهو «الهواء الطلق» كما قال «الوشاحى..؟!».