من سنن الله فى كونه أن بدأ أجمل الأشياء وأعظمها من أصغر البدايات وأبسطها، هذا الكون بدأ بكلمة منه سبحانه، كلمة كن فكان كل شىء، وعظم الله شأن الكلمة التي ينطقها الإنسان، وجعلها تحت رقابة الملائكة يكتبون ما ينطق به الإنسان، ثم ُيحاسب الإنسان على ما كتب عنه حسابًا لا تترك فيها كلمة دون مراجعة من الله سبحانه، هذا لما للكلمة من أثر بالغ بها تنشأ أعظم الأعمال، وبها تنهدم أيضًا. ما أبسط بداية الإنسان، خلية بسيطة في رحم أمه، والجبال بدأت بذرة قد لا تراها العين، وأنت أيضًا ربما حققت أجمل أمنياتك بخطوة قد لا تتذكرها من بساطتها وسط أحداث يومك، لكنها كانت البداية الحقيقية دون شعور . تلك الأشياء البسيطة التي قد لا تحسب لها حساب، لكنها فعلت بحياتك ما لم تتخيل من الأعمال سواء كانت سلبية أو إيجابية، فمعظم النار من مستصغر الشرر، ومعظم الأنهار من قطرات المطر، فلا تستصغر إصلاحًا تستطيعه الآن لأبسط الأشياء، اعتذار، أعمال تؤجلها، أو تستهون أثرها، أى شىء. كل هذا الآن الآن، فبالانتظار يبدأ الانهيار دون شعور، وبالبداية يبدأ البناء، فكم من نفوس انهارت بكلمة قيلت دون قصد، وكم من نفوس حيت بكلمة بسيطة تمسكت بها الروح تمسك الغريق بمنقذه، كلمة تقدير لا تقال مجاملة، ولكن صدقًا وعملاً واقتناعًا ويقينًا من التأكيد على الخير بنفوس البشر مهما كانت أخطاؤهم، فيقينًا ستساعد تلك الكلمة النفس على مقاومة وساوسها. ومن جمال صنع الله فى كونه، أن جعل معظم الأحداث متداخلة فننسى أن هناك نهاية لأى شىء، فمع حريق غابة فى مكان تولد زهرة جديدة فى نفس المكان، ومع موت الأعزاء يوجد الله ألف سبب للبقاء، ومع مواقف الانكسار، نجد مواقف التأييد من الله تأتى فى نفس اللحظة، لتؤكد أن الدنيا لن تنتهى لانهيار جبل أو جفاف نهر، ففى نفس اللحظة يبدأ المطر بمكان آخر، لتستمر الحياة ونعلم أن النهاية ليست بإذن البشر ولكن بإذن الله وحده.