يعرف مراد وهبة العلمانية فى تعريف بسيط وواضح ومختصر وهو "التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق....". ويرى مراد وهبة أن هذا التعريف للعلمانية يعنى فى البداية إصلاح العقل لكى يتحرر من الدوجما ومن الثوابت ومن فكرة الإجماع ومن الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، فالنسبى هو الإنسان، هو العقل الإنسانى والظواهر الإنسانية، هو وجودنا التاريخى والزمنى فى هذا العالم. معنى هذا أن فصل الدين عن الدولة، والذى هو أحد أهدف العلمانية، هو نتيجة لإصلاح طريقة وأسلوب التفكير، ومعنى هذا أيضا بدون تغيير أسلوب التفكير فإن الديمقراطية تصبح كارثة لأنها سوف تستبعد الحريات وتكتفى بالانتخابات، ومن ثم هى الطريق القصير لوصول القوى الفاشية للحكم ولهذا يقرر مراد وهبة بأنه " لا ديمقراطية بلا علمانية"، فالديمقراطية تعنى التحول من الأحادية إلى التعددية وقبول ذلك على أرضية المنافسة وقبول الآخر المختلف، ومعنى هذا أيضا القبول بعدم احتكار فرد أو مجموعة للرؤية الصحيحة للتقدم، أى القبول بالنسبى، أى قبول العلمانية كما يعرفها مراد وهبة... ومعنى هذا أن من ينكرون العلمانية ينكرون بالضرورة الديمقراطية، ومن يقفون موقفا عدائيا من العلمانية هم بالضرورة أعداء الديمقراطية، أى أن أدعياء امتلاك الحقيقية والتحدث باسم الوطن واحتكار معنى الوطنية والتحدث باسم الله واحتكار معنى الإيمان كلاهما عدو للديمقراطية، معنى هذا أن نظام الحكم فى مصر والذى يدعى امتلاك مفهوم الوطنية منذ يوليو 1952 وحتى الآن ويتهم خصومه بالخيانة وتشويه سمعة مصر وغير ذلك. امتلاك مفهوم الإيمان ومن ثم تكفير الخصوم ومصادرة إنتاج الإبداع العقلى كلاهما قوى فاشية تعمل ضد الديمقراطية وضد العلمانية وضد التقدم.. وكلاهما أخوة فى الرضاعة يتحركون على أرضية واحدة تعادى مفهوم التقدم ولكن بدرجات مختلفة. واعتبر أن المتعصب شخص مريض نفسيا وعقليا، ليس لأنه عاجز عن التفكير لكن لأنه يسير فى اتجاه التخلف والتعصب فالمتعصب- فى رأى مراد وهبه- لديه شهوة الإعدام لأى نسق اعتقادى يختلف معه، وبالتالى فهو يقف ضد التعددية، التى هى سمة حضارية، واختلف الفيلسوف الكبير مراد وهبه مع من يرددون أن المضاد الحيوى لمنع المتعصب من السير فى طريق التخلف هو التسامح، مستشهدا بتعريفه للتسامح لغة بأنه: الموافقة والقبول ويعنى أيضا الجود والكرم والسخاء، والمتسامح اللين مضطر أن يتنازل للمتعصب الخشن، وبالتالى يبقى المتعصب ويتلاشى المتسامح، لذلك يرَى الدكتور وهبة أن التسامح لا يصلح أن يكون مضادا حيويا للقضاء على التعصب. البديل فى رأيه يستلزم البحث عن جذور التعصب، واستعرض وهبة جذور التعصب تاريخيا بدءًا من العقل اليونانى الذى كان حراً فى البحث والتفكير بعيدا عن مُلاك الحقيقة المطلقة مستشهداً بالفيلسوف سقراط الذى حُكم بالإعدام عليه نتيجة أفكاره ونسقه الاعتقادى المختلف، مرورا بالعصور الوسطى الذى كان فيها العقل محكومَا بمحاكم التفتيش، معتبرا أن أى فيلسوف يهدد النسق الاعتقادى يتعرض لمخاطر كبيرة. وذكر الدكتور وهبة سببين من أسباب التعصب الأول: معرفيا: العقل الإنسانى معتبرا أن مُلاك الحقيقة المطلقة هم سبب التعصب من الناحية المعرفية، أما السبب الثانى للتعصب فى رأى وهبة، من الناحية السياسية هو الحكم المطلق بعقيدة مطلقة على واقع نسبى، فيكون بشأن هذه العقيدة أن تكفر كل ما يحاول فك الوحدة العضوية بين المطلق والنسبى، فالتكفير مرحلة أولى ثم القتل مرحلة ثانية. ويجب تدريب البشر على التفكير العلمانى لأنه يعنى التفكير فيما هو نسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. قال الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط سنة 1784 بأن التنوير خروج الإنسان من حالة الوصاية عليه، وهى عجزه عن استعمال عقله بدون إرشاد من الغير... وهذه الوصاية ليست ناجمة عن نقص الإدراك العقلى وإنما من نقص الشجاعة والإرادة فى استعمال العقل بدون إرشاد من الغير، ولهذا كتب كانط مقولته الخالدة "كن شجاعا واستخدم عقلك".... والشرط الأساسى لذلك هو الحرية التى تحرر العقل من الخوف ومن القوانين المقيدة ومن السلطة السياسية والدينية الغاشمة ومن الرقابة الذاتية المقيدة ومن رقابة المجتمع القاهرى ومن التراث المكبل. إذن لا عقلانية ولا استنارة ولا تنوير ولا علمانية ولا ديمقراطية بدون تحرير العقل، ولا تحرير لهذا العقل بدون حرية حقيقية.