"شرفة رجل الثلج" هو عنوان الرواية الجديدة للشاعر والروائى إبراهيم نصر الله، وقد صدرت فى بيروت منذ أيام عن الدار العربية للعلوم ناشرون، مع طبعتين خاصتين لمنشورات الاختلاف الجزائر، ودار مكتبة كل شىء فى فلسطين. رواية "شرفة رجل الثلج" تتشكل من ثلاث روايات، فى رواية واحدة كتاب واحد، تكمل الواحدة منها الأخرى وتنقدها، تتوغل فى خفاياها، تنفيها حينا، وتكملها حينا آخر، كما تفتح باب الشك واسعا لتأمل ما مرَّ من أحداثها. وتجىء هذه الرواية لصاحب "زمن الخيول البيضاء" و"طيور الحذر" وغيرها من الأعمال الروائية، ضمن المشروع الروائى "الشرفات" الذى افتتحه نصر الله برواية "شرفة الهذيان" التى قوبلت باهتمام نقدى وأكاديمى استثنائى، ولعل أبرز ما يحمله هذا المشروع تلك الطاقة التجريبية العالية؛ وإذا كان الحديث قد دار طويلاً عن علاقة الشكل بالمضمون، فإن "نصر الله" يقدم رؤية متقدمة فى هذا المجال فى مسألة اعتبار الشكل مضمونًا بذاته، وهو يؤكد أن لا وجود للحقيقة الخالصة عبر هذا البناء الفنى الذى يقدمه، كما جاء فى تقديم "الجزيرة نت" التى نشرت فصلاً من الرواية، وهكذا يتجلى الشكل فى هذه فعلا إنسانيًا، مرتبطًا أشد الارتباط بمعنى الحرية فى نص روائى طليعى يحاور الراوى العليم ويشكك فى مطلق علمه. لقد انشغلت روايات عربية كثيرة فى مسألة استهداف الأنظمة لخصومها من سياسيين ومثقفين وناشطين فى حقول المعرفة والحياة العامة، لكن هذه الرواية تذهب فى اتجاه آخر، متأملة كيف عملت هذه الأنظمة على تحطيم كل إنسان على حده، كما لو أن كل إنسان خصم، وعدو، ما حوّل الشعوب إلى كتل هلامية غير فاعلة وغير منتمية والأوطان إلى مجرد أمكنة مفرغة من معانيها.