ثلاثة حروف من قامتها وعظمتها تجعل الأرض تدوى كزلزال يشق قلب المرء.. من حبها وشوقها نرتوى.. فيها تاريخ السنين.. وعراقة الزمان وأصالة المكان.. إليها تزحف خيول العشق لتعيش على ذكريات الماضى وعبق وجمال المعالم والآثار. مالها الآن تئن مجروحة خائفة من أن تتجمد فيها عروق الشوق والحنين ويقف نبضها ويصمت قلبها وتحتضر أنفاسها وتعانق البحر لتموت غرقاً دون معين.. ماتت ابتسامتها ومات شعاع الأمل الذى كان يضىء دربها وأغرقها طوفان التغيير ونزيف الدم وخصام الأهل وذوبان الحب الكبير.. أصبحت لأراء أولادها منقادة ولأحلامهم المتصارعة على كرسى العرش.. به تكسرت القلوب وهانت النفوس وتزعزع الإيمان وانجرحت المشاعر وتسلل الركود لعيون الشعب.. فباتت حروفهم وكلماتهم صامتة متلونة بلا منطق أو تفكير أو عنوان صائب.. ترقص على أشلاء الشهداء الذين سلبت أراوحهم دون ذنب سوى أنهم خائفين عليك يا مصر.. انقسمت الآراء نصفين.. وانزرعوا بمكانين.. وشكلوا دولتين.. اسمهم رابعة والتحرير.. ونسجوا معاً الآهات والحسرات التى لطخت زرقة البحر، إلى حمرة الدم، ومزقت الضحكات وقتلت سعادة الفرد الذى كان يحلم برغد العيش.. فجعلته يترك بيته ليعيش تحت سماء الشمس.. وينام على قارعة الطريق بوسادة من حجر.. وطعام من لون الدم.. وجثث أبنائه غذاء للصقر.. وبيوتهم للنهب وحزن كبير على الولد والأب.. وعلى طفل يتلوى ألماً من كثرة الحر وقلة الأكل وظلم القهر.. وصوت هتافاتهم تملأ الكون.. بها تلبدت السماء وبكت عليك يا مصر من لظى الصراعات وكل طائفة تعتقد أنها على حق.. جاعت الأطفال ودمرت المحلات وحرقت الآثار ونامت العقول.. وانتشرت الأمراض وتحول النهار إلى ليل.. والدفء إلى برد يدمى القلب ويقتل الروح فقد تربع بالنفس الكره والحقد على زوج وأخ وولد وعلى حبيب كان قريباً للقلب.. وساروا جميعا إلى صراع مجهول ليس له سبب سوى مع.. أو ضد أين وقارك وهيبتك يا أمى.. أين عراقتك وتاريخك.. أين شموخك الذى يركع أمامه الكل.. أين أبناءك الذين تربوا بحضنك وكانوا يخافون عليك من ظلم أو غدر.. والآن يشنون عليك الحرب.. مع من؟! مع إخوة من وطن واحد ونفس فصيلة الدم لا اختلاف بينهم سوى بالاسم.. يا أولاد الأم قتلتم مصر بحربكم الباردة وكان الضحية الأب والابن وشقاء الشعب وقتل العروبة بين الأهل وصراع على منصب لن تجنوا منه إلا القهر وزحف الغريب لدياركم والاستيلاء على ثرواتكم ودب الفتنة بين أبناءكم تحت شعار إظهار الحق.. وهو حقيقة يفتت بلادكم ويسهل العبور لعدوكم ويزرع الشر بطرقاتكم ويسلب خيراتكم ويغرس الحقد بشعبكم.. وأنتم أمامه صامتين تبصمون على عهود ومواثيق وأنتم خانعين.. وتظهرون ولاءكم لمن ينتهك عرضكم ويقسم وطنكم ويفرق بين أبنائكم ويجعل الولد يقتل صديقة وأخيه تحت كثير من المسميات التى اخترعها هو ليفتت وحدتكم وتكونوا لقمة صائغة لعدوكم ويزيد من قهركم ويجعلكم أمام الغرب منكسرين بأكذوبة معاهداتهم واتفاقياتهم ووعودهم الرنانة الملتفة بحرير الكذب والنفاق.. أرجوكم أفيقوا من سباتكم ووحدوا صفوفكم وانفضوا عنكم غبار الانقسام وحب الكرسى وعشق المكاسب وترفقوا بأمكم التى احتوتكم وكانت جناحاً لأحلامكم وعزاً لكم وتاجاً تتزينون به أمام العالم.. الآن نسيتم أفضالها عليكم ونسيتم تعبها من أجلكم ووفائها لكم وجعلتكم محببين للكل وأطيب شعوب الأرض.. والآن تردون لها الجميل بحرقها وحرق ممتلكاتها وقتل شبابها وبعثرت كرامتها وانتهاك عرض بناتها وسرقة أثارها وتفتيت وحدتها وقتل شعبها رغم حاجتها الماسة لكم لتعيدوا لها مكانتها وتواسوا وحدتها وتجعلوا لسان حالكم واحداً لا رابعة ولا ميدان تحرير وإنما مصر كلها لأبنائها الذين يعشقون ترابها ويموتون فداء لها وإعلاء كلمة الحق ويغلفون مشاعرهم وأحاسيسهم بكلمة واحدة يداً بيد ضد أى معتدى عليك يا مصر.