ربط خبراء دوليون بين موقف الإدارة الأمريكية الأخير تجاه ما يجرى فى مصر، وزيارة الممثلة العليا للشئون الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبى كاثرين آشتون للقاهرة، معتبرين أن الأخيرة كانت أحد أهم الأسباب التى دفعت الإدارة الأمريكية إلى تجاوز تقييم ما حدث فى مصر إذا ما كان انقلابا عسكريا أو ثورة شعبية، لتتفرغ للعب دور "الوسيط"، كى تحصل مجدداً على حد أدنى من نفوذها الذى أصبح مُهدداً برحيل جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم. وقال وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الجمعة إن الجيش المصرى كان "يستعيد الديمقراطية" عندما أطاح بالرئيس المعزول محمد مرسى، المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، الشهر الماضى، وإن عزل مرسى جاء استجابة لمطلب "الملايين من الناس". تصريحات كيرى السابقة، وتلك التى قال فيها إن "الجيش لم يستول على السلطة حتى الآن"، أثارت ردود أفعال واسعة بشأن ما إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية بدت أكثر وضوحاً بشأن موقفها من مظاهرات 30 يونيو الماضى، التى أسفرت فى نهاية الأمر عن إصدار الجيش، بمشاركة قوى سياسية ودينية، فى 3 يوليو الماضى بيان "خارطة الطريق"، الذى تم بموجبه الإطاحة بمرسى وتعطيل الدستور مؤقتا ضمن إجراءات أخرى، كما أثارت تلك التصريحات ردود أفعال ذهبت إلى حد القول أن واشنطن اقتربت من الاعتراف بأن ما حدث "ثورة شعبية" وليس "انقلابا عسكريا". جاء ذلك بعد أقل من أسبوع على زيارة آشتون إلى القاهرة التى التقت فيها مرسى، كأول دبلوماسية أجنبية تلتقيه، فى محبسه غير المعلوم مكانه، منذ الإطاحة به فى الثالث من الشهر الماضى. منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية فى واشنطن، يقول إن "مواقف الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخراً، تعكس إدراكها أنها غير قادرة على لعب دور سياسى، سواء قبل 30 يونيو أو بعده، لذا قررت التكيف مع الوضع الميدانى، فهى تدرك جيداً أنها عاجزة عن أن تكون الموجة للأحداث فى مصر، خاصة أنها فقدت علاقات سابقة مع عدة شخصيات، وبالتالى أصبحت مواقفها رد فعل، وهو ما يفسر بدوره تصاعد تصريحاتها درجة درجة، بحسب تلك التطورات الميدانية". وفى حديث عبر الهاتف من واشنطن، يضيف سلمان منذر "واشنطن تحاول اللحاق بالقدرة على لعب دور الوساطة". منذر يرى أن واشنطن انتقلت من مربع "التسوية" إلى "الوساطة"، حيث إن "التسوية تتطلب أن تملك الإدارة الأمريكية علاقة جيدة من الطرفين، لكن حالياً لا يوجد توازن قوة، كما أنها لا تريد الاعتراف صراحة بما حدث، وبالتالى تفضل الانتقال لمربع الوساطة دون أن تعود للخلف، ولم تعد تطرح التقييم القانونى الدولى لما حدث، لأنها تجاوزت ذلك". أما عن زيارة وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى للقاهرة، فيعتبر سليمان أنها "جاءت على عجل كتعويض عن القناة الدبلوماسية المتمثلة فى السفيرة الأمريكية (آن باترسون) والتى يتسم موقفها بالحرج بعد حملة الانتقادات الموسعة التى وجهت لها من كل الأطراف المعنية، وكمحاولة لاحتواء الموقف بعد الأنباء عن زيارة (عضوى مجلس الشيوخ) جون ماكين وليندسى جراهام التى قد يُسىء فهمها وتفهم على أنها زيارة لمبعوثين من الإدارة الأمريكية رغم اختلافهم معها، وكأن من بيديه القرارات هم أشخاص بعيدين عن الإدارة نفسها". وبدأ مساعد وزير الخارجية الأمريكى يوم السبت زيارة إلى القاهرة تستمر ثلاثة أيام، هى الثانية له منذ عزل مرسى. أدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة واشنطن، قال من جهته إن "الإدارة الأمريكية تقترب أكثر من موقف الاعتراف الصريح بالتغيير الذى حدث". ويعتبر أن "القلق الأمريكى من استيلاء الجيش على السلطة تبدد وإن لم يكن بصورة كلية، وهو سبب أن هناك اختلاف فى اللهجة والتعبير فى خطاب الإدارة الأمريكية، وأصبح أكثر وضوحاً فى دعم عملية التغيير". وأضاف "هناك تنسيق بين المواقف الأمريكية والأوروبية تجلى فى زيارة آشتون لمصر ولقاءها بمرسى، أظن أن الجميع قطع مرحلة عدم القدرة على وصف ما حدث إلى مرحلة الاقتراب من الموقف الأقوى على الأرض، خاصة أن الولاياتالمتحدة يهمها مصالحها الإستراتيجية فى المنطقة وفى العالم". واختتمت آشتون يوم الثلاثاء الماضى زيارة للقاهرة استمرت يومين هى الثانية لها لمصر خلال أسبوعين، والتقت خلالها عددا من المسئولين المصريين فى مقدمتهم الرئيس المؤقت عدلى منصور، وعددا من القوى والأحزاب السياسية، وزارت مرسى فى مكان احتجازه غير المعلوم، فى أول زيارة لمسئول أجنبى لمرسى منذ الإطاحة به.