أيام تفصلنا عن موقعة 30 يونيو، وهى موقعة مهمة ولكن حتى الآن لا يستطيع أحد توقع ما سوف يحدث، ولا يستطيع أحد أن يجزم أنه يستطيع التحكم فى شىء ما، وهذا أمر خطير جدا. وكلمة موقعة هنا ليس معناها موقعة حربية أو اشتباكات- لا قدر الله- رغم توقعات البعض بحدوث ذلك، ولكن ما أقصده هنا هو أن يوم 30 يونيو هو محطة مهمة فى مشوار الثورة، فهناك بالفعل غضب شعبى عارم من حكم الإخوان، غضب غير مسبوق ضد أى حاكم مصرى من قبل، وهذا ما يلمسه أى متابع للشأن المصرى أو أى ناشط مؤيد لمرسى قبل المعارض، يمكنك الشعور بذلك إن ركبت أى وسيلة مواصلات أو تحدثت مع أى مواطن، يقف فى طابور العيش أو طابور تجديد الرخصة أو طابور دفع الفاتورة. فمن المفترض أن يكون يوم 30 يونيو وما بعده هو تصحيحا لمسار الثورة، وهو الخلاص من الحكم الفاشى والفاشل لجماعة الإخوان، وهو إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وهو التوضيح العملى للإخوان بأنهم ليسوا الأغلبية المطلقة كما يدعون، وأن من عصروا على أنفسهم ليمونة- للأسف- وساهموا فى إنجاح مرسى وإيصال جماعة الإخوان للسلطة هم الآن فى صفوف المعارضة، وأنهم كما انتخبوا مرسى من أجل منع النظام القديم من العودة هم الآن فى أول صفوف المعارضة لمرسى من أجل إنقاذ مصر من الضياع. ولكن لابد أن أذكركم وأذكر نفسى بنقاط هامة، يعتبرها المنصفون نقدا داخلياَّ، بهدف تحسين الأداء، وتعتبرها معاول الهدم أنها مساندة للإخوان وخلايا نائمة وشاى بالياسمين وباقى قائمة الاتهامات الجاهزة الرافضة لأى نقد داخلى. النقطة الأولى: أن العالم كله يتعجب أن هناك ملايين نزلت الشارع فى غضب شديد من الإخوان فى وقت الإعلان الدستورى، ولكن لم تستطع المعارضة تنظيم ذلك الغضب وتوجيهه فى الطريق الصحيح، فالجماهير غاضبة وكارهة لحكم الإخوان، ولكن أين البديل؟ ومن الذى سوف يوجه الجماهير؟ النقطة الثانية: أنه من غير المنطقى أن يكون ما تبقى من وقت قبل «محطة» 30 يونيو هو عدة أيام معدودة، ويتم تكرار نفس كارثة تعدد الأطروحات «انزل وبعدين نشوف»، فالحملة بدأت بتمرد وهى حملة رائعة أيقظت الإيجابية ووحدت الجهود وحركت الشعب، وهى حملة ديمقراطية سلمية تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، حيث إن شرعية مرسى انتهت ومن انتخبوه وأوصلوه للسلطة انضموا لمعارضته لأنه خالف كل ما وعد به هو وجماعته، وفى رأيى هذا الطرح مقبول ومنطقى بشكل كبير، ولكن هناك أطروحات أخرى يزداد عددها بمرور الأيام وهذه كارثة، مجلس رئاسى مدنى من 5، مجلس رئاسى مدنى من 7، مجلس رئاسى مدنى يضم شخصية عسكرية «رغم أن عسكرية ومدنى دونت ميكس»، مجلس قضائى. النقطة الثالثة: وهى تتعلق بالثانية، تعدد الأطروحات قبل الحدث بأيام يعتبر سيناريو كارثيا تكرر كثيرا ابتداء من 25 يناير مرورا بال18 يوما، مرورا بمحمد محمود ومجلس الوزراء، ثم أحداث الاتحادية، ولكن ما هو أكثر كارثية أن نسمع خطاب التخوين والإقصاء داخل من هم ضد مرسى، «انت خاين وعميل»، «يللا يا بتاع أمريكا»، «انت خلايا إخوانية نايمة»، «الطرح بتاعك ده شكلك جايبة من الإخوان»، «أكيد خيرت الشاطر هو اللى قالك تقول الكلام ده»، «أكيد الإخوان قالولك تكتب مقالة اسمها انزل وبعدين نشوف». ماذا يريد الإخوان أفضل من ذلك كى يفشلوا أى نتائج لتحرك الجماهير يوم 30 يونيو؟، تعدد الخطط وتعدد لغات الخطاب، انزل وبعدين نشوف، تفتت، تخوين وقتال داخلى، مجهود كبير يتم بذله فى إقصاء بعضنا البعض أكبر من المجهود الذى يتم بذله فى التخطيط أو توحيد الخطط والجهود هدية على طبق من ذهب للإخوان. النقطتان الرابعة والخامسة: عودة الحديث عن سيناريو فوضى ثم نزول الجيش لإزاحة الإخوان، وهذا حديث علنى والكثير يسمعه يوميا، وهناك من يقتنع فعليا أن سلمية ماتت، وأنه لابد من الاستقواء بالجيش والفلول من أجل إزاحة الإخوان وهذا ليس سرا على أحد، ولكن السؤال الآن ألم يحدث عنف من قبل فى أحداث الاتحادية وما بعدها؟ هل كان العنف هو الحل؟ ألم ندرك أن العنف منفر للشارع المصرى؟ هل نزل الجيش؟ هل نزول الجيش وتوليه السلطة مرة أخرى يعتبر دولة مدنية؟ هل كنا سعداء فى فترة حكم العسكر؟ هل نسينا من أصر على هذا المسار منذ 19 سبتمبر 2011؟ هل تناسينا ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء؟ هل تناسينا المحاكمات العسكرية؟ هل مؤيدو مبارك وعمر سليمان وكل من حارب الثورة فى بدايتها يعتبر الآن ثوريا ما دام هو ضد الإخوان؟ هل هدف رجال أعمال النظام القديم وفلول مبارك هو نفس هدف الثورة؟ تساؤلات كثيرة لابد أن يفكر كل فرد فيها ويتوقف ولو لدقائق عن اتهامات التخوين، فالتخوين والتفتيت والتشرذم هو ما أعطى للعسكر فرصة للانقضاض على الثورة، وهو ما أعطى فرصة للإخوان لاستغلال ذلك. نعم مرسى فاشل والجماعة تنظيم فاشى ويكذبون وينافقون بما يخالف شرع الله، ووعدوا وأخلفوا، ولكن ألا ننظر لأخطائنا وكوارثنا حتى نستطيع بناء البديل وحتى نقطع عليهم من الفرص استغلال أخطائنا، واستغلال تفتتنا واستغلال خطاب التخوين بيننا وبين بعض؟ هل نستطيع ولو لدقيقة أن نفكر بدون تخوين وإقصاء وبدون نظرية انزل وبعدين نشوف؟