من بعض المقالات الرائعة التى قرأتها قبل الثورة، مقالة «اركب وبعدين نشوف» للرائع المهندس وائل عادل من سلسلة زلزال العقول، وهى تتحدث عن ميكروباص يسير فى الطريق وينادى السائق اركب اركب اركب، وعندما يسأله أى راكب عن أى مكان يكون رد السائق اركب. شبرا اركب، حلوان اركب، مدينة نصر، أكتوبر، المطرية، قليوب.. أى مكان.. اركب وبعدين نشوف. لا يختلف هذا الحال كثيرا عن حال القوى السياسية فى مصر.. اركب وبعدين نشوف، وليس النقد الذاتى للمعارضة معناه أننا إخوان أو نخون الثورة ونتقرب للسلطة والعياذ بالله، بل إن الانتقاد الذاتى مهم، ولو كانت المعارضة أكثر تنظيما بشبابها وشيوخها وأحزابها وحركاتها ولو كانت أكثر وضوحا للرؤية والخطة ما كان حالنا كما هو الآن. اركب وبعدين نشوف، انزل المسيرة وبعدين نشوف.. وبعد ما ننزل؟ مش مهم. الناس مش متجاوبة، والأجواء دلوقتى مش نفس أجواء 25 يناير 2011.. مش مهم انزل وبعدين نشوف. وأيضا من ضمن المقالات الرائعة فى سلسلة زلزال العقول وكنت قرأتها قبل الثورة والتى كانت تتحدث عن شاب تعود أن يأكل بالشوكة والسكينة، وعندما حاول أن يشرب الشوربة بالشوكة والسكينة تعجب أنه يبذل مجهودا كبيرا من أجل أن يشرب الشوربة. بذل الشاب مجهودا كبيرا ووقتا طويلا فى شرب الشوربة بالشوكة، ثم أطلق لعناته على الشوربة التى تعذب من يشربها، أكيد العيب فى الشوربة. لم يدرك الشاب إلا بعد وقت طويل أن العيب ليس فى الشوربة، بل العيب فى وسيلة شرب الشوربة، فإنك تستطيع أن تأكل بسرعة وبنجاح باستخدام الشوكة، ولكن عند الشوربة تحتاج لوسيلة أخرى تسمى الملعقة. نعم ندرك جميعا أنه لابد من استكمال الجهود من أجل إسقاط نظام مبارك الذى لا يزال يحكمنا حتى الآن، وأن الإخوان والرئاسة خالفوا كل العهود والوعود، ورغم علمهم وعلم الجميع أنهم لا يستطيعون حكم مصر وحدهم فإنهم يرفضون أى توافق أو أى مشاركة، ورافضون لأى ضمانات خاصة بالحوار الجاد أو حتى تغيير تلك الحكومة الفاشلة التى تزيد مصر خرابا، ويرفضون كذلك مشاركة باقى اللاعبين من المشاركة فى وضع قواعد اللعبة خصوصا فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وأصبحوا يستخدمون كل أساليب القمع التى كان يستخدمها مبارك وعادت الداخلية لسابق عهدها وأكثر سوءا. ولكن تكرار نفس الأسلوب الذى نجح فى وقت معين لا يعنى أن ينجح فى وقت آخر تغيرت فيه عناصر المعادلة. المسيرات والاعتصامات والمظاهرات وسائل مهمة رغم وجود عشرات وربما مئات الوسائل الأخرى، ولكن غاب العامل الحاسم عن المعادلة وهو الشعب. لم تنجح ثورة 25 يناير بدون الشعب، فالشعب هو العامل الحاسم ولولاه لكانت ثورة 25 يناير 2011 مجرد مظاهرات مثل 25 يناير 2010 أو 2009. ومعركة إسقاط النظام ليست فقط رحيل مبارك أو رحيل العسكر عن السلطة أو حتى رحيل مرسى، بل هى معركة طويلة المدى لن يتم حسمها فى جولة واحدة، بل هى موجات ومعركة نقاط، وهى معركة بالأساس مع قوى الماضى وقوى الاستبداد بمختلف مسمياتها. معركة طويلة المدى مع أفكار الماضى وأساليب الماضى وقواعد الماضى وأحزاب الماضى وسلوكيات الماضى. والشعب أيضا هو الحاسم فى تلك المعركة كما كان حاسما فى بداية الثورة، وعلينا أن ننظر قليلا حولنا ونسأل أنفسنا، هل الميدان هو الميدان؟ هل المسيرات هى المسيرات؟ هل الاعتصام هو الاعتصام؟ هل سيناريو العنف ثم الفوضى ثم الجيش هو الثورة؟ الشعب هو العنصر الحاسم، وهو صانع التغيير، ولكى يتحرك يجب الوصول إليه والخطاب معه وإقناعه بأهمية هزيمة قوى الماضى من أجل مستقبل جديد. ولكن استمرار منهج «انزل وبعدين نشوف» لن يؤدى إلا للمزيد من ضياع الوقت والمجهود.. وأرواح الشباب الطاهر.