لا أدرى لماذا ارتبط منصب الوزارة فى التاريخ بالدولة المصرية سواء القديمة أو الحديثة.. لقد جاء ذكر لقب الوزير فى القرآن الكريم أكثر من مرة.. قال تعالى "واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخى" وفى مصر الفرعونية عرف التاريخ الوزراء ولهذا فإن الوزير فى مصر شىء آخر ومكانة مختلفة.. وقبل ثورة يوليو كان الوزير يدخل الوزارة غنيا لديه مساحات من الأراضى والعقارات ويخرج منها مفلسا بعد أن يبيع كل شيء.. أما الآن فقد اختلف الحال لأن الوزير يدخل الوزارة لا يملك شيئا ويخرج منها محملا بالقصور والفيلات والحسابات المالية.. ومن أسوأ الظواهر فى حياة المصريين عدم إحساس الوزراء بقضايا المجتمع وهموم الناس أن الوزير عندنا ينسى كل ما حوله وهو يجلس فى سيارته المرسيدس وحوله مواكب الحراسة وهو فى هذه الحالة لا يرى شيئا خلف ستائر السيارة السوداء.. إنه لا يرى طفلا جائعا يصرخ بين يدى أمه ولا يرى عجوزا يفترش الطريق ولا يسمع بكاء أرملة على رفات زوج رحل فى حريق قطار. إن الوزير عندنا بعيد تماما عن كل هذه الصور أنه يتنقل ليلا بين سهرات الأغنياء يشاهد الأفراح والليالى الملاح.. وفى الصباح يقضى نصف يومه فى مناسبات استقبال أو وداع.. وبعد ذلك يقضى نصف اليوم الباقى على برامج الفضائيات مبتسما خجولا ضاحكا مرحا.. فى زمان مضى كان منصب الوزارة يمثل عبئا ثقيلا على صاحبه ولكن هذا المنصب الآن يعنى أن كل الأبواب قد تفتحت مرة واحدة.. إنه أسرع وسيلة للثراء وهو أفضل طريق للشهرة وأوسع مجال للرفاهية وأقصر طريق لممارسة السلطة بكل ألوانها. إن الوزير يملك كل شىء ما دام جالسا على الكرسى ولهذا فهو يبيع كل شىء من أجل البقاء فى هذا الكرسى.. وفى بعض الأحيان يقضى الوزير عمرا طويلا فى الوزارة وكل شىء حوله ينطق باسم الوزير، أن الوزير جاء والوزير مضى والوزير فى اجتماع والوزير فى مجلس الوزراء أو فى مجلس الشورى أو البرلمان.. والوزير فى المطار على سفر.. ومع الأيام ينسى الوزير اسمه الحقيقى ولا يذكر شيئا من اسمه غير أنه معالى الوزير. لو سألتنى على إحدى أمنياتى فى الحياة لقلت لك أتمنى أن أرى وزيرا أى وزير، يتقدم باستقالته طواعية واختيارا ويتم قبولها على الفور ولا تكن إقالة كما يحدث دائما! أعتقد أننا منفردون ومميزون فى الإقالة لا الاستقالة!