تحضرنى مقولة البروفيسور الفلسطينى إدوارد سعيد، والتى قال فيها "إنه من خلال المجتمع المتماسك استطاع الفلسطينيون البقاء أمام عملية تخريب تاريخنا، بأخطائه المأساوية وبمحنته وبممارسات وسياسات إسرائيل المدمرة". عندما أتمعن هذه المقولة أقف أمامها كثيرا وأمام الحال الذى وصلنا له فى الأراضى المحتلة فى الضفة الغربية وقطاع غزة، فى هذا التحول الخطير الذى يستشرى فى المجتمع الفلسطينى والمستوى الذى يهدد كل أركانه بشكل عام، سواء حتى فى الداخل أو الخارج .. ولسنا هنا فى إلقاء اللوم على الاحتلال الإسرائيلى، فهذا أمر بات مسلم معه، فالاحتلال سبب كل مآسى الشعب الفلسطينى منذ النكبة 1948 وحتى الآن. الملاحظ منذ أن سيطرت حركة المقاومة الإسلامية حماس على القطاع، حدثت أمور كثيرة انقلبت بدرجة 180 درجة مئوية وأكثر بكثير، وهنا أكتفى بالحديث عن الثقافة المدمرة التى ينسج لها خيوط قاتلة فى مجتمعنا، وهى ثقافة إما مع أو ضد، أو للأسف إما أن تكون منتميا إلى فتح أو حماس أو خلافه من تسميات الفصائل والأحزاب الفلسطينية المتعددة أو تكون ضده فصيل على حساب الآخر .. ثقافة التجزئة والتشرذم والانقسام الوطنى والإحلال ونهج طرق العنف ومحو الآخر، فقد قام كل فصيل بحشد مؤيده ووسائله وخاصة الإعلامية من صحافة وإذاعة وتلفزيون ومواقع إخبارية إلكترونية عديدة، وخلافه من أجل مصلحة حزبه أو حركته متجاهلا تماماً أموراً لا حصر لها، إننا فى البداية والنهاية أبناء شعب ووطن فلسطينى واحد مهما اختلفنا فى آرائنا وفى عقيدتنا وأيدلويولجتنا وكل برامجنا السياسية أو الاجتماعية. ومن هنا بدأت تظهر للأسف هذه الثقافة جلياً، حتى بات كل طرف يحشد كتابا وصحفيين وخلافه وباتت اللغة كلها تختلف والخطاب الإعلامى ومفردات ما أنزل الله بها من سلطان بدأ كل من طرفى أو قطبيى المسيطرين على الشارع الفلسطينى يستخدمها، وللآسف بدأنا نسمع مصطلحات كثيرة مغلفة بنوازع الحقد والبغض والعدوانية، وبصرف النظر عن ذكرها فهى مدمرة وبمدلولاتها عدوانية لما تحتويه من التحريض والتخوين وإشعال الفتن والحرب الأهلية وكل مشاهد الفوضى الخلاقة وفق ما تدعيه أمريكيا ومن خلفها إسرائيل، والتى ترسخ قواعدها يوماً بعد يوم فى كل دول المنطقة. السؤال الذى يطرح نفسه، أين ثقافة التوافق وأعيده أين ثقافة التوافق؟ وأين الكتاب منها وأين الصحفيون منها وأين المثقفون والأدباء والشعراء وأين منها؟؟ وأين الإعلاميون العقلاء فى كل من فتح أو حماس، أين العقلاء بينهم، بل أين كل الحريصين والغيورين على الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة منها.. فليس فوز حماس فى الانتخابات وخلافه يلغى فتح، والعكس ليس فتح تلغى حماس، ونحن هنا نرزح تحت احتلال إسرائيلى يقتل فينا ليل نهار ويدمر ويعتقل، أعتقد عندما نجمع أن العدو واحد، فهذا يفترض أن تبدأ منه ثقافة التوافق. بكل حسرة وأسف أقول لقد غابت تماماً ثقافة التوافق وغاب من يروج لها، وتركت الساحة الفلسطينية لثقافة إما مع أو ضد، وبدأت تظهر أكثر وأكثر فى كل مكان وفى كل منطقة، وأصبحت فى المدرسة وفى الشارع وفى البيت وفى الحى والقرية والمدينة، يحضرنى هنا مشاهد كثيرة أصبحت أراها فى مجتمعنا فى كل زواية منه تعززه ثقافة التفرقة والتعصب والعنف وصور لا حصر لها تترجمها لحظة بلحظة. أطفال للأسف أصبحت تشبع يوميا بهذه الثقافة، علينا أن نتخيل الشباب والرجال والنساء، للأسف نزرع الأشواك فى أطفالنا فى جيلنا الفلسطينى وفى مجتمعنا بشكل عام نمزق فى جسدنا جزءاً جزءاً، وفى ثقافتنا وفى كل نسيجنا الاجتماعى والأسرى والوطنى وأخلاقنا وبكل مؤسساتنا بل وفى كل حى، عندما نصل إلى حد أن نمنع مؤتمراً أو مسيرة احتجاجية ومظاهرة سلمية أو انطلاقة هذه الحركة.. لصالح من هذا التأجيج فى المشاعر، ولمَ هذا التضليل والتخوين ونشر الكذب المنمق؟ أرى أن كلاَ من فتح وحماس يخطئان خطأ جسيما بل تاريخيا جسيما فى هذا الوقت بالذات، ويضربون بعرض الحائط هذا الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره، وهؤلاء الموظفين الباحثين عن لقمة العيش وهؤلاء الشهداء والجرحى والأسرى والمعتقلين والعالقين واللاجئين والمهجرين والمبعدين وفى الشتات وفى كل مكان يتواجد فيه فلسطينى. وأجدد سؤالى، أين ثقافة التوافق والتسامح؟ وثقافة أن الوطن أكبر من الحزبية والفئوية ؟؟ وأين إعلاميو وكتاب ومثقفو ثقافة التوافق؟؟ وأين وسائل ثقافة التوافق ومواقعها الإلكترونية؟ لماذا لا يوجد جسم إعلامى يضم فئات المجتمع، ليروج لهذه الثقافة التى نحن أحوج مالها اليوم وقبل غد، أرجو أن يتضامن الجميع ليفرض ثقافة التوافق على أكبر مسئول لأصغره وعلى كل القيادات والفصائل والأحزاب. أيتها الإعلاميات والإعلاميون اتقوا الله فى وطنكم وفى شعبكم وفى أبنائكم، علينا أن نتوحد ونتكاثف لا وقت لأن نكون ضد أو مع مهما كلف الأمر، أرجو أن يتم العمل الفورى على أبعاد التناحر والتجاذبات السياسية عن جميع مؤسساتنا أياً كانت، وخاصة الصحة والتعليم والتعليم العالى، لأنه ليس هناك بيت يخلو من موظف أو طالب أو طالبة أو مريض، انشروا ثقافة التوافق والتسامح بدءاً من القيادة فى أعلى الهرم إلى أصغر مواطن على أرض فلسطين الحبيبة، هذا الجسم الإعلامى الخاص بثقافة التوافق سيكون جبهة وطنية لحماية المشروع الوطنى لحماية المجتمع الفلسطينى لحماية تقاليده وثقافته وعاداته وأخلاقه .. نأمل أن يخصص برنامجاً وطنياً متكاملاً تعد له كل الفصائل الفلسطينية من أصغرها إلى أكبرها مع بعضها البعض يتم نشره وإذاعته عبر وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية، ويكون متواصلاً لنشر المزيد من التوعية والتثقيف بأهمية ثقافة التوافق الفلسطينى الداخلى، وبأن لا صوت يعلو على كونى فلسطينى لست فتحاويا أو حمساويا أو جبهاويا وخلافه.. وأن فلسطين تبقى أكبر منا جميعاً ولها القدسية الأولى والأخيرة.