تحدث الكاتب الأمريكى جاكسون ديل، فى مقاله بصحيفة "واشنطن بوست" عن الربيع العربى بشكل عام ثم تطرق إلى الأوضاع فى تونس، وآمال إمكانية التواجد المشترك للإسلاميين والعلمانيين فى البلاد. فى البداية، قال ديل إن مصطلح "الربيع العربى" المضلل قد آل إلى صراعين مجتمعيين سيحددان ما إذا كان الشرق الأوسط قادرا على الانضمام إلى العالم المتحرر فى القرن الحادى والعشرين، أحدهما صراع طائفى بين السنة والشيعة، ومركزه الدامى فى سوريا، وما لم يتم تسويه قريبا، فإنه قد يمنع ظهور نظام جديد فيها وفى العراق ولبنان والبحرين على مدار سنوات إن لم يكن عقوداً. أما الصراع الآخر الأقل عنفا، ولكنه الأكثر إلحاحا، فهو المعركة على السلطة بين الإسلاميين والعلمانيين فى الدول ذات الأغلبية السنية مثل مصر وتونس وتركيا، والسؤال هنا مشابه إلى حد كبير للسؤال المطروح فى الصراع الطائفى وهو: "هل يستطيع الطرفان الاتفاق على التسامح بوجود الآخر وإنشاء نظام سياسى ديمقراطى من شأنه أن يوفق بين قيمه كل طرف المختلفة عن الآخر". ويتابع الكاتب قائلاً: "إن الأمر لا يبدو جيداً حتى الآن.. فبدلاً من بناء التوافق، سقطت القوى الإسلامية والعلمانيون فى مصر فى حالة من الاستقطاب مع تزايد تشدد كلا الطرفين، وفى تركيا، أظهرت الأيام العشرة الأخيرة انقساما مشابها بين الطبقة الوسطى الحضرية والحكومة الإسلامية، التى يقل تسامحها وإن كانت لا تزال حتى الآن بعيدة عن التشدد"؛ مضيفاً أن الرئيس المصرى محمد مرسى وأردوغان يؤيدان النظرية الفجة التى تقول إن: "الفائز فى الانتخابات يحق له فرض أجندته السياسية". ويرى "ديل" أنه لا يمكن لأى شخص فى الشرق الأوسط أن يقدم وسيلة فعالة لتحقيق التوافق بين الطرفين المتنازعين، لكن الكاتب عن نفسه يقول إن محادثتين أجراهما مع رئيس الوزراء التونسى حمادة الجبالى ومؤسسة حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشى قد شجعاه.. فكلاهما يظهر فهما لبعض المبادئ الأساسية بأن الحركات السياسية فى فترة ما بعد الثورة، ولاسيما الإسلامية، يجب أن يتم استيعابها. ويشير الكاتب إلى أن الغنوشى، الأشيب ذا ال72 عاما والذى قضى معظم حياته فى السجن أو المنفى، قد يكون الأجرأ والأكثر تقدمية بين الإسلاميين الموجودين فى السلطة.. فهو يقارن تاريخ الدول الإسلامية بأوروبا فى العصور الوسطى ويقول إننا أيضا أمضينا خمسة أو ستة عقود فى الظلام، حيث توقفت قدرة العقل. وأضاف أن هذا التراث من الانحطاط قد خلق عقيدة أصبح فيها العقاب جزء رئيسى من الشريعة. ويرى الغنوشى أن المشكلة الرئيسة تكمن فى إقناع الناس أن الشريعة يجب أن تتعلق بالعدالة وحقوق الإنسان والمساواة ونشر السلام. ويشير الكاتب إلى أن المشكلة الأكبر التى تواجه النهضة فى تونس هم السلفيون وليس العلمانيين، فبعدما تسامحت الحكومة لفترة طويلة مع حركة أنصار الشريعة المتشددة، فإنها منعت أخيرا تجمعها السنوى الشهر الماضى مما أدى إلى مصادمات فى الشوارع، فى حين أن الجيش يحارب جهاديى القاعدة الذين اتخذوا من الجبال الغربية ملاذا لهم مزودين بأسلحة. وختم الكاتب مقاله قائلاً: "إن هذا الاضطراب يثير تساؤلا حول ما إذا كان بإمكان النهضة أن تحقق أهدافها المعلنة بالتوصل إلى اتفاق حول الدستور الجديد والتصديق عليه عبر استفتاء وإجراء انتخابات جديدة بحلول نهاية العام.. ولو استطاع، فإن الحزب ربما يحقق هدف الغنوشى بتقديم نموذج لكل العرب عن كيفية الجمع بين القيم الديمقراطية والإسلامية".