عندما قرأت الخبر الذى يقول إن المطرب اللبنانى وديع الصافى أصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش شعرت بالذنب، فوديع الصافى، هذا الصوت القادر الحساس الذى يمتعنا ويملأ حياتنا وحياة العرب جميعاً بفنه المتميز لم يأخذ حقه حتى الآن، خاصة فى مصر التى أحبها وانتمى لها، كما أحب وانتمى لوطنه الأول لبنان. عندما أراد وديع الصافى أن يقدم نفسه للجمهور منذ أكثر من ستين سنة، جاء إلى مصر ليقابل الملحنين والمطربين المصريين، ويحاول أن يجد له مكاناً فى السينما المصرية كما فعل فريد الأطرش، وصباح، ونور الهدى. فى السنوات الأخيرة عندما أراد أن يجد مناخاً فنياً هادئاً جاء إلى مصر، وحصل على الجنسية المصرية التى استحقها بجدارة هو المايسترو سليم سحاب، لأنه ليس مجرد مطرب لبنانى، ولكنه مطرب عربى، ورسول الفن اللبنانى والفن المصرى إلى كل المستمعين العرب، والذين استمعوا إليه وهو يغنى من ألحان عبدالوهاب ومن أغانى أم كلثوم، يرون مدى حب وديع الصافى لمصر وفنانيها الكبار. لكن وديع الصافى قبل كل شىء هو صوت لبنان، وصوت الجبل بالذات، وهذا هو اللقب الذى اشتهر به. صوت يمتزج فيه الغناء بالتعبير المسرحى، والتطريب بالترتيل، يجمع بين الفرح والحنين، والجد والفكاهة، صوت مفعم بالحياة بكل مظاهرها وصورها، بالعمل والطرب والإيمان والحماسة، والحب والخشوع. لهذا كان وديع الصافى هو صوت الجبل، صوت لبنان، لأن هذه الصورة هى صورة لبنان، القوة، والصلابة، والرقة، والحساسية، والطرب، والمحبة، القرب الشديد من السماء، والإقبال على الحياة. لبنان يا قطعة سما اسمك على شفافى صلاة يسعد صباحك ها الحلو ياال كنت للدنيا صباح روس الجبال اتكللوا بالنور وترفرف جناح وهذا الموال واحد من مواويل وديع التى يتغنى فيها بلبنان، والحقيقة أن وديع لا يقدم فى هذا الموال بلاده وحدها، ولكن يقدم فيه فنه الراسخ أيضاً، متنقلاً بين سفوح صوته الممتدة، لا يصاحبه إلا العود الذى يعزف عليه، مع ناى يحيطان بصوته، يصعدان معه ويهبطان، كطائرين يغردان على سفوح جبل عظيم. ولن أنسى أبداً أن وديع الصافى غنى هذا الموال البديع مع أغنياته الشهيرة فى عيد ميلادى بمنزلنا بمصرالجديدة فى أوائل السبعينيات وكان من بين الحاضرين الشاعر صلاح عبدالصبور، والشاعر السورى على الجندى. سلامتك أيها المطرب الكبير!