كان هناك عام فى التاريخ الإسلامى سمَّاه المؤرخون "عام الحزن"، ونحن نعرف ماذا حدث فيه لرسولنا الكريم.. والآن - والحمد الله الذى لا يحمد على مكروه سواه - نعيش فى "أعوام الحزن"، فعندما ننظر حولنا نجد حالنا وما وصل إليه بلدنا من تدهور وانحطاط يوصل إلى أعلى درجات الحزن والقهر وهو حزن يتملكنا ويسيطر على تلافيف أمخاخنا ويتوغل فى حنايا قلوبنا، فعندما "نبص" إلى حالنا كأفراد نشعر بحزن عميق دفين، لأننا لا نستطيع أن نحقق آمالنا وأحلامنا حتى ولو جزءا يسيرا، منها وتجد كلمات الفرحة والعيد والسعادة أصبحت فى واد ونحن فى واد وذلك بفضل "الانبطاح" الذى نعيشه على مختلف الأصعدة السياسية والفنية والرياضية والعلمية.. فعندما نشاهد سياسينا وسياستنا، نشعر بالحزن والحسرة والرغبة فى اللطم، وعندما نرى فننا وما وصل إليه من تدهور نجد الفن يرجع إلى الخلف "ننوح ونولول" وعندما نتفرج على رياضينا ورياضتنا والأصفار التى نحصل عليها باقتدار منقطع النظير والجماهير "نصوت" بالصوت الحيانى والزغلول كمان!! وعندما نشاهد مستوانا العلمى "نموت كمدا وحسرة".. هُنَّا على أنفسنا فى جميع المجالات؛ فهُنّا على الآخرين، أدمنَّا الحزن وعشقناه، نشرب منه منذ طفولتنا مع لبن أمهاتنا، يزداد عويلنا ونحيبنا مع الأيام وليس هناك من يحس بنا ويمد يده لينقذنا من بحور أحزاننا!! أنظرُ إلى حالى فأشعر بالحزن والضياع والتوهان.. أسمع عبارات من عينة "مشروع النهضة ونحمل الخير لمصر" والتفت حولى لأرى ما يحدث ويصير فأصرخ كفاية كده نهضة وكفاية كده خير!! أنا متأكد أن كل واحد منكم "مثلى" تمامًا متفرد بحزنه ومن يدعى غير ذلك فهو كذاب فى "أصل وشه"! أتذكر رباعية عمنا الكبير صلاح جاهين عندما يصرخ قائلا: حزين يا قمم تحت بحر الضياع حزين أنا زيك وإيه مستطاع الحزن ما بقالوش حلال يا جوع الحزن زى البرد زى الصداع!! صدقت يا عمنا وتاج راسنا وعجبى على حالنا!! لم نر شيئا سعيدا عليه (الطلا) نفتخر به أمام أنفسنا ولم نر شيئا نباهى به الأمم "يا خيبة أنفسنا" يا أمة ضحكت من جهلها ومن أصفارها ومن سياسيها ومن نكساتها الأمم!! لم نهنأ طويلا بثورتنا التى سُرقت واغتصبت عينى عينك. أين نحن من السعادة، فالسعادة فى حياتنا كمواطنين - لا كسياسيين ونجوم مجتمع يرفلون فى حلل وصحون وطشوت من النعيم ويأخذون كل شىء ولا يعطون أى شىء - مثل قطرات من الكحول تتبخر بعد ثوانٍ من انسكابها.. سحنات ووشوش كالحة تطالعك ليلا ونهارًا دون أن تقدم شيئا يفرح المواطنين؛ بل كل ما يصدر عنها ومنها يجعلك فى حزن دائم ومقيم ويجعل الورد ذابلا فى عينيك ويطفئ شمعة الفرحة فى قلبك وهى "قايمة" للاشتعال.. معذرة لو أن هناك اضطرابًا فى ثنايا السطور؛ فالحزن يجعلك لا تستطيع ترتيب أفكارك.. إن حالنا مثل حال المواطن (جبر) الذى ذهب فى زيارة إلى بلد أجنبى، وأثناء زيارته عرج على القبور، فشاهد على شواهدها ما أذهله إذ كتب على واحد منها: هنا يرقد فلان الفلانى ولد عام 1917 ومات عام 1985 وعمره "3" سنوات!! وهنا يرقد علان العلانى ولد عام 1925 ومات عام 1990 وعمره "5" أعوام!! وهكذا على بقية الشواهد، ولمَّا سأل عن سر هذا التناقض العجيب، أفاده مرافقة بأنهم يحسبون عمر المواطن بعدد الأيام التى عاشها سعيدا عندئذ قال لمرافقه: وصيتى إذا مت أن تكتبوا على شاهد قبرى هنا يرقد جبر من بطن أمه للقبر!!!