هل تقف المؤامرة خلف الانفلات الأمنى فى مصر بعد الثورة؟ وهل تستطيع حقا أى جهة أن تسيطر على الشرطة وتتآمر عليها وتتلاعب بها وتظهرها بهذا الشكل الضعيف غير القادر على تحقيق الأمن فى الشارع بعد الثورة، أم أن الأزمة لا تتخطى أبواب وزارة الداخلية التى يرى البعض أن أفرادها يتهاونون فى أداء عملهم لإحراج مرسى وحكومته وللانتقام من ثورة الشعب عليهم؟ الأسئلة السابقة تثيرها جماعات المعارضة والحكم على السواء، بشأن الملف الأمنى بعد الثورة، كلاهما يتقاذف الاتهامات ضد الآخر فى الوقوف خلف عدم عودة الأمن حتى الآن إلى الشارع أو التوقف عن ممارسة سياسات النظام السابق، فتخرج تصريحات قيادات التيار الإسلامى المؤيد لمرسى بأن عجز الحكومة عن إعادة الأمن يقف خلفه قيادات أمنية موجودة فى وزارة الداخلية ما زالت موالية للنظام السابق وهى من تعرقل خطوات وزير الداخلية فى تنفيذ سياسات التطهير، بل امتد الأمر إلى اتهام أعضاء جبهة الإنقاذ بالاتفاق مع هذه القيادات لتنفيذ خطتهم لإسقاط النظام، بينما تتخذ رموز المعارضة من ناحية أخرى الأمن أحد أهم ملفاتها فى الهجوم على نظام مرسى أمام الرأى العام لإثبات عدم قدرته على إدارة الأمور من جانب، والتركيز على استخدامه فى حماية كرسى السلطة كما كان يحدث فى النظام السابق وأخونته. لحظة فوز مرسى بالرئاسة أمام منافسه أحمد شفيق بدأت معها أحلام مشروعة للمواطنين الذين اختاروه فى كل أنحاء مصر اعتمدت بالأساس على تنفيذه لبرنامج المائة يوم والذى تصدره عودة الأمن، أهم وعوده، وقتها اختفت كلمة المؤامرة لبعض الوقت، فها قد وصل أول رئيس منتخب محسوب على صفوف المعارضة يستطيع أن يصدر قرارات حقيقية لإعادة هيكلة الشرطة وتطهيرها، الأمر الذى تحطم تماما بعد مرور المدة المحددة، فوفقا لموقع مرسى ميتر الذى قام برصد الأداء الرئاسى خلال هذه المدة، لم يحقق مرسى من 17 وعدا قدمهم فى الملف الأمنى سوى وعد واحد بمنح حوافز وترقيات ومكافآت لرجال الشرطة مرتبطة باستعادة الأمن فى مناطق عملهم، ورغم ذلك خرج مرسى فى خطابه مؤكدا أن أبرز نجاحات البرنامج كانت فى المجال الأمنى وأنه حقق منه %70 من أهدافه. اقتحام اعتصام الاتحادية الأول لم تتدخل فيه الشرطة، وتولى الحرس الجمهورى حماية القصر، وهو نفس الموقف الذى اتخذه الأمن فى حصار المحكمة الدستورية العليا من قبل مؤيدى مرسى لمنع دخول أعضائها للبت فى قضية حل الجمعية التأسيسية للدستور، والذين حاصروا أيضا مدينة الإنتاج الاعلامى تحت شعار تطهير الإعلام، كان السبب فى ظهور نظرية المؤامرة على ألسنة المعارضة بتحوله إلى تبعية النظام، لتظهر نظرية المؤامرة فى تصريحات الحكومة ومؤيدى مرسى بعد عزل وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين وتعيين اللواء محمد إبراهيم بدلا منه، حيث ترددت أنباء أن الإقالة كانت بسبب رفض جمال الدين طلب مرسى بفض اعتصام الميدان بالقوة إلا من خلال ورقة مكتوبة، وهنا بدأت تصريحات التيار الإسلامى توجه سهام الاتهامات تجاه الشرطة بمحاولة إحراج الرئيس لصالح الفلول. وما بين هذا وذاك ظلت المؤامرة هى المبرر الوحيد الذى يسوقه كل طرف ضد الآخر، وما بينهما يسقط ضحايا الاشتباكات من قتلى ومصابين وحالات التعذيب، فضلا عن عودة المداهمات الليلية واعتقال واختطاف النشطاء السياسيين والقيادات النقابية، بل إن التعذيب داخل السجون لم يختلف وهو ما ظهر فى حالة وفاة أحمد عبد النبى الذى تقول الداخلية إنه أصيب بحالة هيستيرية وارتطم رأسه بحوائط الحاجز فى قسم مصر القديمة، واستخدم الأمن فى فض التظاهرات والإضرابات والاعتصامات، مثلما حدث فى اعتصام المعلمين فى المنيا وإضراب سائقى الميكروباص وعمال أبيسكو أمام قصر الاتحادية. الخبير الاستراتيجى اللواء حسام سويلم، يرى أن نظام الحكم لا يملك أن يتهم الشرطة بالتآمر عليه، لأنها فى النهاية تحت حكمه، ويستطيع أن يتخذ القرارات لإعادة هيكلتها إذا كانت نيته فى ذلك حقيقية، معتبرا أن الحقيقة هى أن المؤامرة موجودة على أجهزة الأمن والمخابرات نفسها لاختراقها والسيطرة عليها، «وهو الأمر الذى تتضح معالمه- بحسب سويلم- فى تعيين وزير داخلية يتبع الإخوان وظهور الضباط الملتحين ودخول شباب الإخوان من طلبة الحقوق عن طريق دراستهم فى كلية الشرطة وتعيينهم فى الجهاز بعد ذلك». ويقول سويلم إن المؤامرة لا تخص الشرطة فقط، وانما المخابرات العامة أيضاً مدللا بذلك على اتهام أبوالعلا ماضى لها بالسيطرة على 300 ألف بلطجى، مضيفا «المستفيد من تدهور الأوضاع داخل الأجهزة الأمنية واضح للعيان، فمن يستفيد من حرق ملفات محكمة باب الخلق، أو استمرار الشرطة فى الدفاع عن ممتلكاته ومقراته، فاذا كان النظام يريد فعلا أن يقوم بإعادة الأمن فى الشارع، كان يمكن له أن يوقف اضطراب الأوامر التى تجعل ضابط الشرطة مطالبا بالدفاع عن النظام الحاكم وفى الوقت ذاته مطالبا أن يقوم بضبط النفس فى الهجوم عليه». ويؤكد الخبير الاستراتجى، اللواء نبيل فؤاد، أن جهاز الشرطة لا يتحمل نتيجة الانفلات الأمنى فى الشارع، مشيرا إلى أن اتهام الجهاز بالتآمر ضد النظام أو مع النظام أمر غير منطقى، قائلاً: «أزمة عودة الأمن تتحملها كل الأطراف»، فالنظام يجب أن يعلم أن التطهير لن يحدث بشكل تلقائى، وإنما باتخاذ قرارات سريعة أهمها إعادة ثقته إليه، كما أن المعارضة يجب إلا تستعجل فى الحكم على تغيير أداء الجهاز، والأخير مطالب بدوره أن يقوم بالتطهير وفى الوقت ذاته يقوم بعمله على أكمل وجه، كل ذلك دون أن ننسى اهتزازه عقب سقوط جهاز أمن الدولة والذى كان يعتمد عليه بشكل أساسى فى جمع المعلومات». ويضيف فؤاد: «رجل الشرطة ليس جهازا نضغط على مفتاحه فينسى أساليب النظام القديم، فهو فى النهاية بشر، وعلى النظام أن يتحمل مسؤوليته فى عدم استخدامه فى المهاترات السياسية وأن تكون مهمته الأساسية حماية المواطنين».