«مستقبل وطن»: يجب أن تعبر الحكومة الجديدة عن نبض الشارع    زراعة الشيوخ توصي بسياسة واضحة للتصنيع الزراعي تبدأ بدراسة الأسواق    فحص 1068 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    اتحاد المصريين بالسعودية: أغلبية المرحَّلين لعدم حملهم تصاريح الحج مصريون    تنبيه هام من «البترول» لسكان الوراق: «لا تنزعجوا من رائحة الغاز»    حرب غزة سوف تستمر سنوات.. «جانتس» يعلن الانسحاب من الحكومة الإسرائيلية    الأونروا: وصلنا لطريق مسدود في غزة.. والوضع غير مسبوق    بعد الهبوط من الدوري السعودي| موسيماني: لدي اتصالات من فريق شمال إفريقيا    مجموعة مصر.. جيبوتي وإثيوبيا يتعادلان بتصفيات المونديال    مصطفى عسل يتوج بلقب بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش    الأربعاء.. أولى جلسات محاكمة سفاح التجمع بمحكمة القاهرة الجديدة    عزة مصطفى عن أزمة عمرو دياب: عارف أنه هيتسجن    مهرجان جمعية الفيلم ينظم حفل تأبين ل صلاح السعدني وعصام الشماع ونادر عدلي    لمواليد «الأسد».. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    جانتس: نترك حكومة الطوارئ وننضم إلى المعركة لضمان أمن إسرائيل    نقابة المهندسين بالإسكندرية تستعد لأكبر معرض للسلع المعمرة بمقر ناديها بالإسكندرية    نصائح مهمة تحمي طفلك من الموجة الحارة القادمة    مباشر مجموعة مصر - جيبوتي (1)-(1) إثيبويا.. بداية الشوط الثاني    «مكافحة المنشطات» تنفى الضغط على رمضان    سيدات مصر لسلاح الشيش يتوجن بذهبية ببطولة أفريقيا للفرق    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    تنسيق مدارس السويس.. 225 درجة للثانوية العامة و230 للبنات ب"المتقدمة الصناعية"    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    البابا تواضروس الثاني يستهل زيارته الفيوم بصلاة الشكر في دير الأنبا أور (صور)    إدخال 171 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر كرم أبو سالم جنوب رفح    منتدى دولي لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    إصابة كيليان مبابى قبل ودية منتخب فرنسا الأخيرة استعدادا ل يورو 2024    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    قيادات "الاستعلامات" و"المتحدة" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" في المساء مع قصواء.. اليوم    تعرف على فضل يوم عرفة وأهميته    متى يبدأ التكبير في عيد الأضحى ومتى ينتهي؟    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    المنظمات الأهلية الفلسطينية تدعو لتشكيل محكمة خاصة بجرائم الاحتلال    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    انتقدت أسيرة إسرائيلية.. فصل مذيعة بالقناة 12 الإسرائيلية عن العمل    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين جامعتي المنصورة والأنبار (صور )    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    تطبيق ضوابط خاصة بامتحانات جامعة مصر للمعلوماتية؟.. نائب رئيس الجامعة يوضح    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم زيارة المقابر في يوم العيد؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل
نشر في فيتو يوم 01 - 05 - 2022

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه"ما هو حكم زيارة المقابر في يوم العيد؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
استحبَّ الشرع الشريف زيارة القبور ورغَّب إليها؛ لما في زيارتها من تذكر الآخرة، والزهد في الدنيا الفانية، وترقيق القلوب القاسية، والردع عن المعاصي، وتهوين ما قد يلقاه المرء من المصائب.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» رواه الإمامان أحمدُ ومسلمٌ، وأصحابُ السُّنن.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّهَا تُرِقُّ الْقُلُوبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" واللفظ له، والطبراني في "المعجم الكبير".
حكم زيارة المقابر في يوم العيد
وقال العلَّامة المُناوي في "فيض القدير" (4/ 67، ط. المكتبة التجارية): [ليس للقلوب -سيَّما القاسية- أنفعُ من زيارةِ القبور، فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهون المصائب، وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب واستحكام دواعي الذنب ما لا يبلغه غيرها] اه.
وإنما كان نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن زيارة القبور حينما كان المسلمون قريبي عهد بالجاهلية، وبأفعالها التي كانت من عاداتهم عند زيارتهم للمقابر؛ من الندب والنواح والتلفظ بألفاظ يرفضها الشرع الشريف، فعندما استقر الإسلام في قلوبهم وزالت رواسب الجاهلية عنهم، أمرهم حينئذ بزيارتها، ورغبهم في ذلك، ونهاهم عما كانوا يفعلونه بها من أفعال الجاهلية.
فالأمر بزيارة القبور بعد النهي عنها جاء مطلقًا غير مقيدٍ بوقتٍ دون وقت، ولا حال دون حال، بل جاء مبيِّنًا ما في زيارتها من نفع يعود على زائرها، وهو مما ينبغي أن يحرص عليه المسلم دائما؛ فإن في تذكر الآخرة رقةً للقلب وارتداعًا للنفس عن المعاصي والآثام. وعلى استحباب ذلك اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة:
فعند الحنفية: قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (24/ 10، ط. دار المعرفة): [وقيل: إنما نهوا عن زيارة القبور في الابتداء على الإطلاق لما كان من عادة أهل الجاهلية أنهم كانوا يندبون الموتى عند قبورهم، وربما يتكلمون بما هو كذب، أو محال، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا»؛ أي: لغوًا من الكلام، ففيه بيان أن الممنوع هو التكلم باللغو، فذلك موضعٌ ينبغي للمرء أن يتعظ به ويتأمل في حال نفسه، وهذا قائم لم ينسخ، إلا أنه في الابتداء نهاهم عن زيارة القبور لتحقيق الزجر عن الهُجر من الكلام، ثم أذن لهم في الزيارة بشرط أن لا يقولوا هُجرًا] اه.
وعند المالكية: قال الإمام أبو القاسم ابن الجَلَّاب المالكي [ت378ه] في "التفريع في فقه الإمام مالك" (1/ 272، ط. دار الكتب العلمية): [ولا بأس بزيارة القبور، وليس لذلك حدٌّ ولا وقتٌ مخصوص] اه.
وقال العلامة أبو عبد الله الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 135، ط. دار الفكر): [(ص) وزيارة القبور بلا حد (ش) يعني أنه يجوز، بل يندب زيارة القبور بلا حد في المقدار من الأيام كيوم في الأسبوع أو أكثر، أو في قدر المكث عندها، أو في التعيين كيوم الجمعة، أو فيما يدعى به، أو في الجميع] اه.
وقال العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 422، ط. دار الفكر): [وجاز (زيارة القبور) بل هي مندوبة (بلا حد) بيوم، أو وقت، أو في مقدار ما يمكث عندها، أو فيما يدعى به، أو الجميع، وينبغي مزيد الاعتبار حال الزيادة والاشتغال بالدعاء والتضرع، وعدم الأكل والشرب على القبور خصوصًا لأهل العلم والعبادة] اه.
وعند الشافعية: قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 317، ط. دار المعرفة): [ولا بأس بزيارة القبور، أخبرنا مالك، عن ربيعة يعني ابن أبي عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ونَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا»، (قال الشافعي): ولكن لا يقال عندها هُجر من القول، وذلك مثل: الدعاء بالويل والثبور، والنياحة، فأما إذا زرت تستغفر للميت، ويرق قلبك، وتذكر أمر الآخرة: فهذا مما لا أكرهه] اه.
وعند الحنابلة: قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 422، ط. مكتبة القاهرة): [لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في إباحة زيارة الرجال القبور. وقال علي بن سعيد: سألت أحمد عن زيارة القبور، تركها أفضل عندك أو زيارتها؟ قال: زيارتها] اه.
وجاء في الشرع استحبابُ زيارة المقابر في بعض الأيام التي اختصها الله تعالى بمزيد من الأفضلية؛ لما في الزيارة فيها من وافر الثواب وجزيل العطاء، وقبول الدعاء، كيوم الجمعة، والنصف من شعبان، ورأس الحول من كل عام، وموسم الحج.
زيارة المقابر في يوم العيد
فأما عن استحبابها في يوم الجمعة، فقد تواردت النصوص أن من زار قبر أبويه كل جمعة غفر له وكُتب بارًّا:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ، وَكُتِبَ بَرًّا» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط".
وعن ابن عيينة عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تَزُورُ قَبْرَ حَمْزَةَ كُلَّ جُمُعَةٍ" أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف".
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 242، ط. دار الفكر): [(قوله: وبزيارة القبور): أي لا بأس بها، بل تندب.. وتزار في كل أسبوع كما في مختارات النوازل. قال في "شرح لباب المناسك": إلا أن الأفضل يوم الجمعة والسبت والاثنين والخميس، فقد قال محمد بن واسع: الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبله ويومًا بعده، فتحصل أن يوم الجمعة أفضل] اه.
كما قال الشيخ العدوي المالكي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" (2/ 135، ط. دار الفكر): [(قوله: أو في التعيين كيوم الجمعة) انظره مع ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ كُلِّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ، وَكُتِبَ بَرًّا» وعن بعضهم أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبله ويومًا بعده وعن بعضهم: عشية الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت إلى طلوع الشمس. قال القرطبي: ولذلك يستحب زيارة القبور ليلة الجمعة ويومها وبكرة يوم السبت فيما ذكر العلماء، لكن ذكر في البيان قد جاء أن الأرواح بأفنية القبور وأنها تطلع برؤيتها وأن أكثر اطلاعها يوم الخميس والجمعة وليلة السبت (أقول) ويمكن الجواب عن الشارح بأنه عبر بالتعيين، فحاصل كلامه: أن يوم الجمعة لا يتعين للزيارة فيه، إلا أنه وإن كان لا يتعين إلا أنه أفضل من غيره] اه.
وأما عن استحبابها ليلة النصف من شعبان: فقد ورد أن النبي صل الله عليه وآله وسلم زار البقيع ليلة النصف من شعبان:
فعن عائشة رضى الله عنها قالت: فَقَدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة، فإذا هو بالبَقيعِ، فقال: «أكنتِ تَخافينَ أن يحيفَ الله عليك ورَسُولُه؟» قلتُ: يا رسولَ الله، إني ظننتُ أنَّكَ أتيتَ بعضَ نسائِكَ، فقال: «إن الله تبارك وتعالى ينزلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ من شعبان إلى سَماءِ الدُّنيا، فَيَغْفِرُ لأكثرَ من عَدَدِ شعر غَنَمِ كلْب» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي وابن ماجه في "سننهما"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وأما عن استحبابها ليلة رأس السنة: فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، يزورون قبور الشهداء عند رأس الحول.
فعن محمد بن إبراهيم التميمي قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي قبور الشهداء عند رأس الحول فيقول: «سَلَام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعم عُقْبى الدَّار»، قال: وكان أبو بكر وعثمان رضي الله عنهما يفعلون ذلك. أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف".
وأما عن استحبابها في موسم الحج: فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه زار قبر أمه السيدة آمنة رضي الله عنها في حجة الوداع.
فعن إبراهيم النخعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج هو وأصحابه في حجة الوداع إلى المقابر، فجعل يتخرق تلك القبور حتى جلس إلى قبر منها، ثم قام وهو يبكي وقال: «هَذَا قَبْرُ أُمِّي آمِنَةَ» أخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة".
وعَن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قَالَت: حج بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسلم حجَّة الْوَدَاع، فَمَرَّ بِي على عقبَة الْحجُون وَهُوَ باكٍ حَزِين مُغْتَمٌّ، ثمَّ عَاد وَهُوَ فَرح مبتسم، فَسَأَلته فَقَالَ: «ذهبت إِلَى قبر أُمِّي، فَسَأَلت الله أَنْ يُحْيِهَا، فَآمَنَتْ بِي وَرَدَّهَا الله» أخرجه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" والخطيب البغدادي في "السابق واللاحق"، وذكره السيوطي في "الخصائص الكبرى"، والحلبي في "السيرة الحلبية".
كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وهي حاجة وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فروى عبد الرزاق في "المصنف"، والأزرقي والفاكهي في "أخبار مكة" -واللفظ له-، وابن عبد البر في "التمهيد" عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت إذا قدمت مكة جاءت إلى قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فسلمت عليه.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (24/ 10، ط. دار المعرفة): [فقد رُوي أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل وقت، وأنها لما خرجت حاجة زارت قبر أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه] اه. وهو بنصه في "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" لعلاء الدين البخاري (3/ 186، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وقال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "حاشية سنن أبي داود" (9/ 44، ط. دار الكتب العلمية): [وعائشة رضي الله عنها إنما قدمت مكة للحج فمرت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه] اه.
وجمهور الفقهاء على استحباب زيارة مقابر أهل البقيع من آل البيت الكرام، وصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهم، وذلك عقيبَ مناسك الحج؛ لِمَا في موافقة ذلك من شرف مجاورة أيام الحج المباركة.
قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 177، ط. الحلبي): [ويستحب أن يخرج بعد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم إلى البقيع، فيأتي المشاهد والمزارات، خصوصًا قبر سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، ويزور في البقيع قبة العباس وفيها معه الحسن بن علي وزين العابدين وابنه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهم السلام، وفيه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وفيه إبراهيم رضي الله عنه ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجماعة من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعمته صفية وكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم] اه.
وقال العلامة ابن زاده في "مجمع الأنهر" (1/ 314، ط. دار إحياء التراث): [ويستحب أن يخرج إلى البقيع ويزور القبور التي يتبرك بها كقبر عثمان والعباس رضي الله تعالى عنهما، وقبور صاحب الأصحاب الأبرار والآل الأخيار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وسائر أموات المسلمين رحمهم الله، ويقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا سابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويفعل ما يخطر بباله من الدعوات والخيرات والصدقات] اه.
وعلى ذلك: فإذا ورد استحباب زيارة المقابر في بعض الأيام لما فيها من مزيد فضل على غيرها، فإن القول بزيارتها في أيام العيدين أولى بالجواز والمشروعية؛ فإن يومي العيدين تزيد أفضليتهما وبركتهما ورجاء قبول الدعاء فيهما، فيتأكد فيهما استحباب الزيارة إذا التزم المسلم آدابَها وتقيد بضوابط الشرع فيها.
وقد كان من سُنَّته صلى الله عليه وآله وسلم أن يذهب لصلاة العيد من طريق ويرجع من طريق آخر، وقد فسر العلماء أن من أسباب فعله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أن يزور قبور أقاربه فيهما.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أخذ يوم عيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر" أخرجه أبو داود والدارمي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن".
قال الإمام الرافعي [ت623ه] في "العزيز شرح الوجيز" (2/ 365، ط. دار الكتب العلمية): [وروي أن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كَانَ يَغْدُو يَومَ الْفطرِ وَالأَضْحَى فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعِ فِي طَرِيقٍ". واختلفوا في سببه؛ قيل: ليتبرك به أهل الطَّريقين، وقيل: ليُستفتى فيهما، وقيل: ليتصدق على فقرائهما، وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما، وقيل: ليشهد له الطريقان] اه.
وقال العلامة شمس الدين الكرماني [ت786ه] في "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" (6/ 86، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وخالف الطريق) أي كان الرجوع في غير طريق الذهاب إلى المصلى، والحكمة فيه: أن يشمل أهل الطريقين بركته وبركة من معه من المؤمنين، أو أن يستفتي أهلُهما منه، أو أن يدعو لأهل قبورهما، أو أن يتصدق على فقرائهما] اه.
وقال العلامة الدميري الشافعي [ت808ه] في "النجم الوهاج في شرح المنهاج" (2/ 547، ط. دار المنهاج): [قال: (ويذهب في طريق ويرجع في أخرى)؛ لقول جابر رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك في العيد" رواه البخاري.
واختلف في سبب ذلك على أقوال: أظهرها: أنه كان يتوخى أطول الطريقين في الذهاب تكثيرًا للأجر، وقيل: ليتبرك به أهل الطريقين، وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما] اه.
وقال العلامة البرماوي [ت831ه] في "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (4/ 385، ط. دار النوادر): ["خالف" أي: يرجِعُ من طريقٍ غيرِ طريقِ الذهاب، وحكمتُه: شُمولُ البركةِ الطريقينِ، أو أنه يُسْتَفتى فيهما، أو يدعو لأهل قُبورهما، أو يتصدَّق على فقرائهما] اه.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 473، ط. دار المعرفة): [وقد اختلف في معنى ذلك على أقوال كثيرة، اجتمع لي منها أكثر من عشرين، وقد لخصتها وبينت الواهي منها]، ثم ذكر مما اعتمده من تلك المعاني ولم يضعفه: [وقيل: ليزور أقاربه الأحياء والأموات] اه.
وقال الإمام العيني في "عمدة القاري" (6/ 306، ط. دار إحياء التراث): [والحكمة فيه على ما ذكره أكثر الشراح: أنه ينتهي إلى عشرة أوجه، ولكن أكثر من ذلك، بل ربما ذكروا فيه ما ينتهي إلى عشرين وجهًا.. الخَامِس عشر: ليزور أَقَاربه الْأَحْيَاء والأموات] اه.
ومما يُستأنَس به في ذلك: ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته العيدين بالبقيع وهي مقابر المدينة، فلو كره صلى الله عليه وآله وسلم الذهاب للمقابر في الأعياد لتخير مكانًا آخر للصلاة غير الساحة المحيطة بالمقابر.
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أضحى إلى البقيع، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: «إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
وعن الشعبي، قال: "كُنِسَ البقيع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم فطر أو أضحى" أخرجه أبو داود في "المراسيل" وعبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى"، والمزي في "تحفة الأشراف".
قال العلامة شمس الدين الكرماني في "الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري" (6/ 79، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (البقيع) موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد وهي: مقبرة المدينة] اه.
وقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (2/ 221، ط. المطبعة الكبر الأميرية): [(خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يوم أضحى) وللأصيلي: يوم الأضحى إلى البقيع، مقبرة المدينة (فصلّى العيد ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم] اه.
وزيارة المقابر في الأعياد مما اعتاده المسلمون عبر القرون في العصور السابقة وهلم جرًّا إلى يوم الناس هذا، ولم ينكر عليهم ذلك أحد.
ففي "الكامل في التاريخ" (4/ 353، ط. دار الكتاب العربي) للعلامة ابن الأثير [ت630ه] في حديثه عن وفاة المعتمد بن عباد أحد ملوك دولة الأندلس: [وكان شاعره أبو بكر بن اللبانة يأتيه وهو مسجون، فيمدحه لا لجدوى ينالها منه، بل رعايةً لحقه وإحسانه القديم إليه. فلما توفي أتاه، فوقف على قبره يوم عيد، والناس عند قبور أهليهم] اه.
وأما القول بالنهي عن زيارتها في الأعياد لأنها أيام فرح وسرور، وزيارة المقابر سببٌ لتجديد الأحزان، فالجواب من أربعة أوجه:
الأول: أنه ليس كل استدعاء للحزن منهيًّا عنه، بل قد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تذكر بعض المصائب الماضية واستحضارها إذا كان في تذكرها عزاءً للمرء وتهوينًا لما يصيبه في حاضره من أمور متجددة قد توقعه في القنوط واليأس لولا تذكره شيئًا من المصائب الماضية التي هونها الله تعالى عليه، وأعظم ذلك: مصيبة الأمة بوفاة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» أخرجه الصنعاني في " المصنف"، والدرامي في "السنن"، والطبراني في "المعجم"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
الثاني: أن النهي عن تجديد الحزن إنما هو فيما يكون مدعاةً للقنوط والاعتراض على قضاء الله تعالى، فأما ما كان مصاحَبًا بالتسليم والصبر والاحتساب، فإن صاحبَه مأجور محمود مثاب؛ فعن فاطمة ابنة الحسين، عن أبيها رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَأَحْدَثَ اسْتِرْجَاعًا وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَهُ يَوْمَ أُصِيبَ» أخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى في "المسند"، وابن ماجه في "السنن".
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار القبور في بعض أيام النصر؛ وهي أيام فرح وسرور، ولم ير في ذلك غضاضة ولا حرجًا، فورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه زار قبر أمه السيدة آمنة بنت وهب رضي الله عنها مرجعَه من تبوك، ويوم فتح مكة، وهما يوما فرح ونصر.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلًا" أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة".
وعن بريدة رضي الله عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أتى حرم قبر فجلس إليه، فجعل كهيئة المخاطب، وجلس الناس حوله، فقام وهو يبكي، فتلقاه عمر رضي الله عنه وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت وأمي، يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ قال: «هَذَا قَبْرُ أُمِّي؛ سَأَلْتُ رَبِّي الزِّيَارَةَ فَأَذِنَ لِي، وَسَأَلْتُهُ الِاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَذَكَرْتُهَا فَذَرَفَتْ نَفْسِي فَبَكَيْتُ» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والإمام أحمد في "مسنده"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، والطبراني في "المعجم الكبير".
الرابع: أن الأعياد هي زمان اجتماع الناس وتزاورهم؛ ذلك لأن أكثر ما يُسعد الإنسانَ لقاؤه بمن يحب، فإذا حال دونه الموتُ فإن موضع دفنه ومرقده يكون هو أحب الأماكن إليه، وفيه تأنس روحه باستشعار معنى البر بالمتوفى، والدعاء له، والسلام عليه، فزيارة القبور حينئذٍ أدعى أن تكون سببًا من أسباب سعادة زائريها، وسكون أرواحهم، لا من أسباب تجدد أحزانهم، وإن صاحب ذلك بكاءُ الشوق والفقد، إلا أن سعادة الوصل تخفف ألم الوجد.
تفسير حلم البكاء في المقابر وعلاقتها بزوال الهموم
باحث سلفي: ليس صحيحا أن الشافعية أباحوا اتخاذ القبور مساجد والتبرك بها
وبناءً على ذلك: فزيارة المقابر مندوب إليها في جميع الأوقات؛ لأن الأمر بها جاء مطلقًا، فشمل ذلك جميع الأوقات، وتزيد أفضلية زيارتها في الأيام المباركة التي يلتمس فيها مزيد العطاء من الله تعالى، ومنها أيام العيدين؛ لما في ذلك من استشعار معاني الصلة والبر، والدعاء بالرحمة والمغفرة لمن توفي من الأهل والأقارب، ولْيُراعَ عدم تعمد إثارة الأحزان، وعدم التلفظ بألفاظ الجاهلية والاعتراض المنهي عنهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.