أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أنه في هذا الشهر الكريم وهو شهر شعبان ليلة عظيمة هى ليلة النصف من شعبان، عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها، فقال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن (ابن ماجه وابن حبان). وقد ورد في فضل تلك الليلة أحاديث بعضها مقبول وبعضها ضعيف، غير أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، ولذلك يحرص الصالحون على قيام ليلها وصيام نهارها. حادث تحويل القبلة وأشار إلى أنه في شعبان تم تحويل القبلة، وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث كان تحويل القبلة في البدء من الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين وتنقية النفوس من شوائب الجاهلية: (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) فقد كان العرب قبل الإسلام يعظمون البيت الحرام ويمجدونه. وأضاف: ولأن هدف الإسلام هو تعبيد الناس لله وتنقية القلوب وتجريدها من التعلق بغير الله وحثها على اتباع المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة؛ لذا فقد اختار لهم التوجه قبل المسجد الأقصى، ليخلص نفوسهم ويطهر قلوبهم مما علق بها من الجاهلية، ليظهر من يتبع الرسول اتباعا صادقا عن اقتناع وتسليم، ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها. وأوضح "جمعة" أنه بعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، ليس تقليلا من شأن المسجد الأقصى ولا تنزيلا من شأنه، ولكنه ربط لقلوب المسلمين بحقيقة أخرى هي حقيقة الإسلام، حيث رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصا لله, وليكون قبلة للإسلام والمسلمين, وليؤكد أن دين الأنبياء جميعا هو الإسلام: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ). وأكد أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ليس إلا تأكيدا للرابطة الوثيقة بين المسجدين، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قد قطع فيها مسافة زمانية قصر الزمن أو طال، فقد كان تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام رحلة تعبدية, الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات، إذ لا مسافة بين الخالق والمخلوق: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)، وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فهو بذلك يعود إلى أصل القبلة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)، فهي دائرة بدأت بآدم مرورا بإبراهيم حتى عيسى عليهم السلام، ولكنها لم تتم أو تكتمل إلا بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فقد أخره الله ليقدمه، فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال. ليلة النصف من شعبان وقد كرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة بأن طيب خاطره بتحويل القبلة والاستجابة لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وما الأمر في هذا كله إلا أنه انتقال من الحسن إلى الأحسن وهذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها. وجاء تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام أيضا لتقر عين الرسول صلى الله عليه وسلم فقلبه معلق بمكة يمتلئ شوقا وحنينا إليها إذ هي أحب البلاد إليه وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينةالمنورة التي شرفت بمقامه الشريف فخرج من بين ظهرانيهم ووقف على مشارف مكةالمكرمة قائلا: "والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" (رواه الترمذي)، وبعد أن استقر صلى الله عليه وسلم بالمدينةالمنورة، ظل متعلقا بمكةالمكرمة فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة، ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.