أنا شخصيا لا علاقة لي بالصفحات الساخرة التي تجاورني ولا علاقة لي بصفحة درب المهابيل ، ولا أعرف من هو أبو يكح الجوسقي ولا تاريخه ولا أيامه ، أنا بريء من هؤلاء الذين كتبوا هذه الصفحة على مدار الحلقات السابقة ، هل سيجديني ذلك الإنكار ؟ أم أن مباحث الرئيس محمد مرسي مبارك ستعرفني من بين ألف كاتب مصري ، يا لضيعتك يا أبو يكح ، ويا لضيعة سنينك وأيامك ، والله إني لأشفق على نفسي وعلى صفحتي من غوائل مرسي ، وغوائل هي جمع غائلة ، والغائلة هي المصيبة والداهية وفقا لما ورد في المعجم الغني ، ومن غوائل هذه اخترع العرب كلمة غول ، وليس المقصود بالغول نائب الحزب الوطني السابق عبد الرحيم الغول ، ولكن هو الكائن الخرافي احد المستحيلات الثلاثة ، الغول والعنقاء والخل الوفي. المهم أنني الآن في جزع شديد من القرارات التي اتخذها الدكتور محمد مرسي مبارك الوجه الآخر لحكم محمد حسني مبارك ، هل تعرفون ما الذي حدث لي ؟ هذه أيها القراء الصفحة الأخيرة لي ويبدو أنكم ستقرأون عني بعد ذلك في صفحة الوفيات ..اصغوا لي بهدوء ولا ينبس أحدكم ببنت شفه ، فعلى رأي المثل " الحيطة لها ودان " فبعد أن تمت محاكمة مبارك فوجئت بالعسكر يأتون إلى بيتي من كل حدب وصوب كأنهم جراد ينسلون ، المهم تم القبض عليَّ وتجريسي وسط الجيران وكأنني حرامي قبضوا عليه في " زنقة الستات " وما فتأت زوجتي تقول حسبنا الله ونعم الوكيل ، فنظر إليها قائد العسكر نظرة تهديد ووعيد فأردفت قائلة " فك يا أبو يكح الجوسقي " وبذلك باعتني زوجتي الحبيبة عند أول منعطف مهم في حياتي ، ولن أحكي لكم ما حدث لي بعد ذلك فهي في الحقيقة أشياء لا تحكى ووقائع لا توصف ، كنت كالأعمى والأطرش وسط الزفة ، لا أدري ما الذي حدث وما الذي سيحدث وما هو سبب القبض عليَّ ، المهم وجدتني أخيرا أمام أحد المحققين في حجرة شبه مظلمة ، باغتني المحقق قائلا : اسمك وسنك وعنوانك ، قلت له : أبو يكح .. قاطعني المحقق قائلا : إحنا هانهذر . أنا : لا والله هذا هو اسمي أما عملي فهو خالي شغل ، عاطل يا بيه المحقق : ولكنك تكتب في الجريدة المدعوة " فيتو " صفحة كاملة اسمها درب المهابيل . أنا : بريء يا بيه هم الذين يكتبونها وينسبونها لي ظلما وعدوانا . المحقق : وما هي صلتك بكل من " علي الزيبق وصلعت بن ملعت وابن السميدع وعبده حريقة " أنا : لا أعرفهم ولا علاقة لي بهم !! المحقق : انت هاتكذب ، هؤلاء هم أفراد التنظيم السري الذي يدير الجريدة ويكتب معك صفحتك التي تحارب الإسلام . أنا : أنا مسلم يا بيه فكيف أحارب الإسلام ؟!! ورغم إنكاري كل الاتهامات إلا أن التحقيق انتهى مع عدد من الصفعات والركلات ، وفي السجن الإسلامي المصمم وفقا لمعايير الشيخ صفوت حجازي تم إلقائي في غياهب الحبس ، وفي السجن رأيت عددا كبيرا من الزملاء الأعزاء على رأسهم الأستاذ زكريا خضر الذي منعوا عنه الزاد والزواد ، وسمعت من بُعد تأوهات أحد الزملاء وهم يجلدونه ، وكادت الدموع تنساب من عيني كسيل العرم وأنا أسمع الأستاذ عامر محمود وهو يصرخ قائلا : مش انا مش انا ، ده هوَ ، هو كان بيقول لي وانا بكتب ، فقلت في نفسي " لقد قفعنا في الوخ " وفي نفس الوقت سمعت عصام كامل رئيس التحرير وهو يقول : أرفض الإجابة إلا في حضور أحد أعضاء مجلس النقابة فضلا عن المستشار القانوني للجريدة ، وجاءني صوت أحدهم وهو يقول : عندك كل أعضاء مجلس نقابتك في الزنزانة المجاورة ، اختر واحدا منهم يحضر معك . ومرت أيام وأنا في زنزانة انفرادية لا أدري من أمر الدنيا شيئا ، لا أعرف ما الذي يدور في مصر وما الذي ألقاني في هذا العذاب المقيم ، هل حدث احتلال إسرائيلي لمصر ؟!! هل أمريكا قررت فجأة غزو مصر ؟!! ولكن الذين يحققون معي ويضربونني هم من أهل مصر ، صحيح بعضهم ملتح إلا أنهم مصريون حتى النخاع ، اختلطت عليَّ الأمور حتى بت لا أعرف الصباح من المساء ، وفي وقت من ذات الأوقات دخل عليَّ رجل أشعث أغبر مكفهر الوجه كئيب القسمات ربعي القوام ، فجذبني من قيودي وقال لي : قم فذ يا واد انت . أنا : إلى أين ؟ الرجل المكفهر : إلى المحكمة ، أترتكب جريمتك وتريد أن تفلت . أنا : استر يا رب هو : أيوه كده ، جالك الموت يا تارك الصلاة . وفي قاعة كبيرة عرفت أنها في منطقة الهايكستب وضعوني في قفص كئيب ومعي عشرات من الأشخاص أعرف بعضهم ولا أعرف البعض الآخر ، وعندما تداولت الحديث مع بعض من يجاورني في القفص عرفت أنني في محكمة إخوانية عسكرية ، وأننا مجموعة من الكتاب والصحفيين نحاكم الآن على ما كتبناه عن الإخوان أثناء الثورة وبعدها ، وقد أطلق الإعلام الإخواني على قضيتنا قضية " سحرة فرعون " . نادى حاجب المحكمة على اسمي : أبو يكح الجوسقي . أنا : أفندم نظر لي رئيس المحكمة وقال : أخرجوه من القفص ، فحمدت الله وقلت في نفسي يبدو أن رئيس المحكمة من أنصار الحريات ، وحين مثلت أمام رئيس المحكمة قال لي : أنت متهم يا أبو يكح بمحاربة الإسلام ، كما أنك قمت بتشكيل تنظيم سري مع آخرين مجهولين يهدف إلى قلب نظام الحكم بالقوة ، كما أنك متهم بشرب الخمرعلنا وقد اعترفت بجريمتك والتهمة ثابتة عليك ، فما قولك . أنا في حيرة : تنظيم سري ؟! خمر ؟! رئيس المحكمة : نعم أنا أصيح منكرا : أقسم بالله العظيم لم يحدث . رئيس المحكمة : تقسم بالله العظيم وأنت كافر ؟! أنا بقوة : أنا مسلم يا بيه ، والله العظيم مسلم . رئيس المحكمة : المسلم لا يسخر من الآخرين ، وأنت كتاباتك كانت ساخرة أليس كذلك ؟! وتابع رئيس المحكمة قائلا : هل تعرف الآية الكريمة : لا يسخر قوم من قوم ؟ وأنت سخرت من الإخوان المسلمين والإخوان المسلمون هم الفئة التي تمثل الإسلام في العالم ، إذن أنت سخرت من الإسلام ، والأدهى من ذلك أن صفحتكم في "فيتو" اسمها الساخرون ، وقد انضم معك في تنظيمك الخاص الشخصيات التي استخدمتها في كتاباتك في درب المهابيل ، علي الزيبق وصلعت بن ملعت وعبده حريقة ، وعدلي بهجت ، وابن السميدع ، ولكننا للأسف لم نستطع القبض عليهم . أنا : يا بيه هذه شخصيات خيالية ، من وحي خيالي . رئيس المحكمة : خيالية ! تقصد أنها غير حقيقية ، إذن أنت كذاب . أنا : يا بيه هذا خيال أدبي . رئيس المحكمة : لا يوجد خيال أدبي ، أنت اعترفت أنك كذاب ، والمسلم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكذب ، إذن أنت غير مسلم ، وهذا باعترافك الصحيح بلا إكراه ولا يحزنون ، ثم قال رئيس المحكمة : وما قولك في شرب الخمر . أنا : لم اشرب الخمر مطلقا . رئيس المحكمة : كذاب ، لقد اعترفت في كتاباتك أنك تشرب البوظة . أنا : ولكنني قلت إن البوظة لا تسكر أحداً. رئيس المحكمة : أنت تجلس في حانة درب المهابيل ليل نهار وتقول إن بوظتكم لا تسكر ، سكت رئيس المحكمة لحظة ثم قال : يجلد المتهم ثمانين جلدة، ويتم نفيه إلى سجن الواحات ليبقى فيه طول العمر مع الشغل والنفاذ . وأنا الآن في سجن الواحات متخصص صحافة ، تقولون لي ما هو تخصص الصحافة ؟ آه تخصص الصحافة هو أنهم أعطوني الصحف التي كتبت فيها كي أمسح بها بلاط السجن ، وقد التحيت حتى أن لحيتي أصبحت كثة ، ولبست جلباب السجن القصير ولا أمشي إلا وأنا أحمل المسواك بدلا من القلم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .