مع تطور حرب الجواسيس قبل معركة العبور 1973 ، لعب الطيران المصري دورا ملموسا في خطة خداع الصهاينة ، حيث كان هناك حرص علي إخفاء تدريب الطيارين علي العمليات الهجومية ، والظهور في طلعات تدريبية تركز علي العمل فوق الخطوط المصرية غرب القناة ، والتظاهر بالاتجاه نحو الدفاع عن المناطق الحيوية بهدف إطالة خطوط طيران العدو من قواعده علي قدر الإمكان. خطة الخداع تضمنت البدء في إقامة مطارات جديدة لم يكن مقرر لها أن تنتهي قبل عام أو عامين ، بما يؤكد عدم استعداد المصريين للحرب، ومن أمثلة ذلك البدء في إنشاء مطار في بطن جبال البحر الأحمر بمعاونة خبراء في إقامة الأنفاق الجبلية، وقد بدأ بناء مطار النفق الجبلي في مايو 1973 ، وكان القادة الذين يتجهون لزيارة الجبهة يزورون هذا المشروع مؤكدين علي أهمية المطارات الجديدة في الخطة الهجومية. فيما اهتم العدو بشكل خاص بجمع المعلومات عن قواتنا الجوية، وكل ما حصل عليه من معلومات ساعدت علي تضليله وعلي نجاح الخطة المصرية لخداعه. لقد كانت هناك جاسوسة أمريكية تشغل منصبا دبلوماسيا في القاهرة ، اسمها «سو آن هاريس» وتعمل في قسم رعاية المصالح الأمريكيةبالقاهرة ، حيث كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة مع الولاياتالمتحدة، وكان يعمل مع »الآنسة سو آن« شاب مصري من أصل يوناني اسمه »طناشي راندو بولو« حرص علي إقامة علاقات صداقة قوية مع الخبراء السوفييت ، وعلي جمع معلومات من صديق له اسمه »بيليكوف« ظل يعمل في القاعدة الجوية المصرية لمدة عامين ، وكان علي اتصال دائم بالجاسوس طناشي ، وعندما عاد بيليكوف إلي بلاده قدم إلي «طناشي» خلفه «فيكتور» ، واستطاع الجاسوس طناشي أن ينقل المعلومات إلي الآنسة «سو» في مبني القنصلية الأمريكيةبالقاهرة. ومن بين المعومات التي قدمها طناشي إلي الجاسوسة الأمريكية ، أن مصر تحتفظ بطائراتها داخل مخازن خرسانية لوقايتها من الهجمات المعادية وأن الفكر الدفاعي يسيطر علي العاملين بالقوات الجوية، وأنها لا تريد إشراك طيرانها في أية عمليات . وقللت تقارير طناشي كثيراً من قيمة أجهزة الرادار المصرية، ونقل إلي الجاسوسة الأمريكية تأكيدات الخبراء السوفييت عن وجود أجهزة رادار في روسيا تتفوق كثيراً علي الأجهزة التي حصلت عليها مصر . وأهم فقرة في آخر تقرير قدمه الجاسوس عن مصر قبل القبض عليه تقول : «إن المصريين غيرمستعدين وغير قادرين وغير جاهزين للحرب.. وقد يمر وقت طويل جداً قبل أن يصبحوا قادرين علي استئناف القتال من جديد». لكن في النهاية وضعت السلطات المصرية نهاية لعملية التجسس هذه ، بالقبض علي طناشي وعلي الجاسوسة الأمريكية سو آن هاريس ، وأكدت التحقيقات أن هذه المعلومات كانت تنقل إلي الولاياتالمتحدة أولاً بأول ، ومن المؤكد أنها كانت تجد طريقها إلي تل أبيب في إطار اتفاقيات التعاون في مجال المعلومات. وتم استدعاء الجنرال أوكينيف كبير المستشارين السوفييت في مصر وإبلاغه بالأمر ، والاتفاق معه علي عدم إثارة الموضوع بصورة علنية ، مع ترك الأمر للسوفييت لمعالجته بطريقتهم، والتصرف مع الأفراد الذين قاموا بتسريب هذه المعلومات مع اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تضمن عدم تكرار مثل هذا الحادث. وقبل أن يمضي أسبوع واحد علي القبض علي الجاسوسة الأمريكية وعميلها طناشي صدر أمر بالإفراج عنها وترحيلها إلي بلادها. ورغم المعلومات التي كان يجمعها العدو عن قواتنا، فإنه لم يفهم أبدا ما يختفي وراءها، بما في ذلك القوات الجوية.