اعتقال قائد الجنجويد.. البشير يتخلص من ذراعه القوية في السودان في دولة المؤسسات الجميع متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون كما أنه يفترض خضوع الحاكم للقانون خضوعا تاما، ودولة المؤسسات عكس دولة الأشخاص، النفوذ للمؤسسة مهما كان الشخص الذي يديرها لا العكس، وعندما يحدث العكس –توضع الدولة في يد شخص- تبدأ التحالفات العرقية والعقائدية بما يوفر للحاكم الحماية الشخصية لفترة توصف ب"شهر العسل" كونها قائمة على المنفعة لا على القانون، ومع انتهاء المصالح المتبادلة مع الجماعة أو القبيلة.. تظهر أمام وسائل الإعلام صورة للحاكم كتلك التي نشرت للزعيم الليبي الراحل معمر القذافى، وبعدها بأعوام فاق العالم العربى على صورة شبيه للرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، بعدما دفع حياته نتيجة التحالف مع ميلشيات غادرة -الحوثيين- تفهم لغة البارود لا لغة القانون. دولة الشخص دولة الشخص القائمة على التحالفات السابق ذكرها نجد صورة كربونية لها حاليا في السودان، صحيح أن رئيس البلاد عمر البشير حاول تجميل الشكل الخارجى بوضع مكياج البرلمان والحكومة.. لكنه في نهاية المطاف يحمل أيديلوجيات جماعة الإخوان التي تعادي كل ما هو مؤسسى، ولجأ في سبيل ذلك إلى التحالف مع ميليشيا الجنجويد الدموية لترسيخ أركان حكمه وجعلها سكين خفى لذبح الخصوم في درافور. العناق والفراق وبعد العناق بين الطرفين دب الفراق خلال شهر نوفمبر الماضى، وتم اعتقال الزعيم القبلي السوداني موسى هلال، صانع "أسطورة القوة" ميلشيا الجنجويد، والذي كان يعد ذراع الرئيس عمر البشير، لفرض القوة وإجهاض مخططات الخصوم. ودخلت "الجنجويد" مرحلة جديدة تحولت فيها من ذراع البشير الطولى التي يواجه بها خصومه من الميليشيات العسكرية في السودان، وخاصة في دارفور، إلى مصدر لتهديد أحلام البشير بالسلام في دارفور، وذلك مع إعلان زعيم ميليشيات الجنجويد، موسى هلال، رفضه القاطع تسليم سلاحه، إلى الحكومة السودانية أو الانضمام إلى قوات الدعم السريع. وبالقاء "قوات الدعم السريع"، التابعة للجيش السوداني، القبض عليه وعلى أنجاله ومعاونيه، تكون قد انتهت من وجهة نظر النظام "أسطورة صنعت على عينه" لكن تبنى هذه الجماعات للثآر يبقيه قنبلة موقوتة تهدد الأنظمة المتعاونة معها في الماضى، ولن يحقق لها الرضا سوى رأس النظام على أمل الدخول في تحالف جديد مع ديكتاتور يولد من رحم دولة الأشخاص. فصل جديد وتعليقا على الأمر يقول المحلل لدى مركز أبحاث "مجموعة الأزمات الدولية" ماجنوس تايلر لوكالة فرانس برس "إنها لحظة خطيرة بالفعل". وأضاف "من خلال القبض على موسى هلال، تسببوا في تأليب فخذي قبيلة عربية مختلفين من دارفور ضد بعضهما البعض". وقال الباحث المساعد في جامعة لندن أحمد آدم "هذه بداية الاقتتال الداخلي، مؤكدا أن اعتقال هلال بلا شك على الأمن والاستقرار في دارفور". ويشير آخرون إلى أن اعتقال هلال لن يمر دون إحداث زلزال جديد في البلاد، وذلك لما يتمتع به الرجل من نفوذ ممتد ليس في دارفور فحسب بل حتى في الدول المجاورة، متوقعين أن تعيد العمليات الحربية التي شهدتها منطقة مستريحة معقل هلال الإقليم إلى دائرة الصراع مجددًا وبشكل أشد عنفًا لما يمكن أن تحدثه الخطوة من استقطاب قبلي وإثني في منطقة تمثل الصراعات القبيلية فيها أبرز التحديات الأمنية.