أسس جامعة الزقازيق ورفض أن تسمى باسمه، بل طلب أن يطلق عليها اسم الزعيم «أحمد عرابى» كان العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ يؤكد فى حواراته أنه «ابن القدر» ، فقد عاني اليتم منذ ولادته؛ حيث ماتت أمه بعد أسبوع واحد فقط من مولده ؛ واعتبرته نساء قرية «الحلوات» بالشرقية - مسقط رأسه- «شؤمًا»، واتفقت النساء بعد مشاورات بينهن أن يرضعنه من ثدى أمه الميتة ليلحقها؛ إلا أن الصدفة قادت شقيقه الأكبر «إسماعيل»، الذى سمع بخطة نساء القرية؛ فاختطف الطفل الرضيع بعيدًا عنهن لينجو بشقيقه الوليد. رحلة حياة العندليب مع الآلام -كما يرويها ابن خالته «شكرى أحمد» -بدأت منذ طفولته الأولى بعد أن ذاق مرارة اليتم مرة أخرى بعد وفاة والده بعام واحد على وفاة والدته؛ ثم كفله خاله «متولى عماشة»، ليعيش طفولة فقيرة معذبة يغلفها مرارة اليتم والحرمان، محاولًا القضاء على المعاناة من خلال اللهو واللعب مع أطفال القرية، وكانت متعته السباحة فى ترعة القرية؛ غير مدرك أن تلك المتعة ستحمل له قدرًا سيظل مصاحبًا له سنوات طويلة؛ وبعد أن شب عن الطوق قليلًا ذهب كأطفال قريته لكتاب الشيخ «أحمد» ليتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم. وأضاف "شكرى": وبعد سنوات التحق بمدرسة "عبداللطيف حسانين" المهنية بالزقازيق؛ مفجرًا مفاجأة ربما لم يعلم الكثيرون بها وهى أن العندليب الأسمر لم يلتحق بالمدرسة بقسم الموسيقى كما هو معروف؛ لكنه التحق بقسم "النجارة" وظل بها وقتًا طويلًا؛ كان يشدو ببعض الأغانى وقت دراسته وتطبيق ما يدرسه عمليًا بورشة المدرسة؛ وكان صوته يلاقى إعجاب زملائه؛ الذى تقدم أحدهم لمدير المدرسة وأخبره أن هناك تلميذًا يدعى عبدالحليم شبانة صوته عذب إذا غنى؛ فاستدعاه المدير وطلب منه أن يردد بعض الأغانى، وبالفعل أيقن المدير أن هذا الطفل الذى يخطو أولى خطواته الدراسية ليتأهل بعدما كان "نجارًا" ربما سيكون مطربًا شهيرًا؛ فأمر بتحويل قسمه من النجارة إلى الموسيقى؛ وتلك ثالث القدريات فى حياة العندليب الطفل. وبعد أن أتم دراسته بالزقازيق؛ انتقل للعيش بالقاهرة مع شقيقه إسماعيل، وظل فى منزله فترة التحق فيها بمعهد الموسيقى العربية, بعيدا عن قسم الصوتيات، مفضلًا عليها قسم التلحين وذلك فى عام 1943؛ والتقى فيها رفيقه "كمال الطويل"، الذى كان يدرس بقسم الصوتيات؛ ليستبدلا بعد ذلك بسنوات التخصص، ليصبح العندليب من أشهر مطربى الوطن العربى ويكون "الطويل" من أشهر ملحنى الأغانى فى العصر الحديث. وتخرج الاثنان عام 1948؛ وتم ترشحه للسفر فى بعثة حكومية إلا أنه رفضها؛ والتحق بالعمل الحكومى مدرسًا للموسيقى فى طنطا، ومنها كانت العودة للزقازيق، منطلقًا منها إلى القاهرة، حيث استقراره وبداية بزوغ نجمه، خاصة بعد التحاقه بفرقة الإذاعة الموسيقية كعازف "الأبوا"، وذلك فى عام 1950. وفى عام 1951 كان لقاء العمر الذى جمع بينه وبين "مجدى العمروسى" بمنزل مدير الإذاعة المصرية "فهمى عمر"، بعدها التقى الإذاعى "حافظ إبراهيم"، الذى اتخذ منه عبدالحليم شبانة لقبًا له يُعرف به. وكان لا ينقص "عبدالحليم" سوى أن يقدم أولى أغانيه الذى دار خلاف بين المتابعين هل كانت بدايته عام 1951 بقصيده "لقاء" أم أغنية "ياحلو يا أسمر" عام 1952؛ إلا أن الانطلاقة الحقيقية كانت فى العام نفسه بأغنية "صافينى مرة" التى لحنها "محمد الموجى" ولاقت رفضًا جماهيريًا ساحقًا آنذاك؛ لرفض المستمعين هذا النوع الغنائى الجديد، الا أن إصراره على النجاح ورفض الفشل جعله يعيد نفس الأغنية فى العام التالى إلا أن تلك المرة لاقت نجاحًا فاق توقعه، وبدأ حليم خطواته الأولى على طريق المجد والشهرة. وتوالت بعد ذلك الأغانى على ما يبدو أن مرارة الحرمان واليتم التى عاشها منذ ولادته جعلته يشدو بأغانٍ حملت طابعًا يحمل التفاؤل ومنها "نسيم الفجرية والدنيا كلها وفرحتنا ياهنانا". وبقدر الشهرة التى بدأت تحيط بالعندليب فى العام 1956 كان المرض قد عرف طريق جسده النحيل لأول مرة مع ظهور مرض البلهارسيا؛ وهو ما جعل أغانيه بعدها تتحول لطابع الحزن؛ أصبح خلالها صديقًا لعدد من الزعماء فى مقدمتهم الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر والحبيب بورقيبة والحسن الثانى والملك حسين".. وسارت حياته عدة سنوات ما بين معاناة المرض وبين صعود نجمه ليصبح أحد الكبار فى الوطن العربى؛ وفى عام 1967 سخر نفسه لصالح المجهود الحربى؛ وغنى حفلًا تاريخيًا بلندن وقدم خلاله أغنيتى "المسيح" و"عدى النهار" وهما من أبرز أغانيه على مدى حياته الغنائية. أما عن الحب فى حياة العندليب الأسمر "شكرى" إن حليم لم يعرف قلبه الحب سوى مرة واحدة فقط؛ إلا أن ما نعرفه أنها كانت لفتاة جميلة أصابها مرض خطير ماتت على إثره؛ لأجلها غنى العندليب مجموعة من الأغانى كان أبرزها "فى يوم فى شهر فى سنة"؛ ونفى ما أشيع عن زواجه بالفنانة الراحلة "سعاد حسنى"، مؤكدًا أنه لم يتزوجها لا عرفيًا ولا رسميًا؛ وبعد وفاة حبيبته كان فنه هو عشقه الأول والأخير. وأكد "شكرى" أنه رغم ما قدمه حليم للوطن ككل وللشرقية التى لم يكن ينساها ولم ينقطع عنها حتى وفاته وأسس بها جامعة الزقازيق ورفض وقتها أن تسمى الجامعة باسمه، بل طلب أن يطلق عليها اسم الزعيم "أحمد عرابى"، إلا أنه لم يلق تكريمًا يستحق حجمه وقيمة ما قدمه؛ مطالبًا بوضع تمثال له بالقرية وعمل متحف خاص بالعندليب بها.