وجود الأزهر كمرجعية إسلامية أولى يلغى وجود الجماعة وتأثرها بالإسلام بات واضحا للجميع أن لدى جماعة الإخوان رغبة فى التحرش بالإمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر وبالأزهر ذاته، ويخطئ من يتصور أن الرغبة المحمومة فى الثأر والانتقام من د.أحمد الطيب، هى التى تدفعهم لكراهية الرجل، هو كان رئيسا لجامعة الأزهر حين أثيرت قضية ميليشات الجماعة بالجامعة سنة 2006 أو ما عرف باسم العرض العسكرى للإخوان، بجامعة الأزهر، وقالت الجماعة يومها إن هناك تحاملا إعلاميا عليها، رغم أن نائب المرشد العام وقتها د.محمد حبيب اعترف فى لقاء تليفزيونى أن تصرف الطلاب كان خاطئا! وأنه ما كان يجب أن يحدث، ومع ذلك لو لم يقع هذا الحادث زمن رئاسة د.الطيب للجامعة، ما تغيرت مشاعرهم تجاهه، ذلك أن هناك بين الأفراد والجماعات من لا يتصورون لأنفسهم وجودا إلا بانعدام الآخرين¡ ويرون أنهم لن يكونوا كبارا إلا بتقزيم الآخرين وتصغيرهم، والإخوان من هذا الصنف، يستاءؤن جدا من وجود رمز ناجح¡ فيسعون إلى تأميمه ومصادرته لصالحهم، فإن كان عصيا.. ورفض سعوا إلي هدمه، فعلوا ذلك من قبل مع أكثر من نموذج، وهذا ما يحاولونه مع د.أحمد الطيب، الرجل رفض «التأخون» وترفع عن منافقة الرئيس، ويؤلمهم ألا ينافقه أحد، هو كذلك وقف مدافعا عن مؤسسة الأزهر.. وعلى المستوى الشخصى حقق د.الطيب ما عجز عنه الإخوان، فقد جمع حوله دعاة الدولة المدنية ورموز الثقافة والفكر، كما اجتذب الأقباط والمصريين، وهكذا صار أزهر مصر المقصد الرجاء للكثيرين، وبات ملاذاً لأطياف عديدة من الأمة المصرية التى تتخوف من التأخون والإخوان، التقدير للرجل تجاوز حدود مصر، حينما صدرت وثيقة الأزهر الأولى للدولة المدنية، وأشاد بها الكثيرون، حتى أن الرئيس اللبنانى الأسبق أمين الجميل قال إن الموارنة يطمئنون إلى المستقبل في وجود مثل هذه الوثيقة، وأنها الضمان للمسيحيين العرب كلهم، ومؤخراً اختارت مؤسسة زايد د.الطيب ليكون شخصية العام ثقافيا وفكريا واجتماعيا، هذا كله يثير أحقاد وغل غير المتحققين، والإخوان فى تصورى يعانون أزمة نفسية كبرى، لقد تصوروا أنهم ملكوا الرقاب والعباد بصعودهم إلى السلطة، فاكتشفوا أنها جلبت عليهم الكراهية والرفض بين قطاعات واسعة من المصريين، وكشفت ضعفهم وعجزهم البين عن العمل والإنجاز. كانت الجماعة قد قامت مبكراً باختبار قوة الفضيلة الإمام الأكبر، حينما تعاملوا معه بسوء تقدير يوم 30 يونية حين كان د.مرسى يلقى خطابه فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، فيما عرف بيوم التنصيب، وذهب إليه من يطلب القيام من مقعده ليجلس رئيس مجلس الشعب، سعد الكتاتنى، ولم يكن هنا، أى لياقة أو ذوق فى هذا الطلب، خاصة أن مجلس الشعب كان منحلا! ومن ثم فلم يكن هناك موقع باسم رئيس مجلس الشعب، وحتى حينما هم د.الطيب بمغادرة القاعة والخروج نهائيا، لم يكلف أحدهم خاطره بالاعتذار إلى فضيلة الإمام أو تطييب خاطره، وكأنه كان المقصود إخراج الرجل من القاعة، وكان تصرف فضيلة الإمام يحمل معنى واحدا، وهو أنه لن يقبل ولن يتسامح مع أى تجاوز أو استخفاف من رئاسة الجمهورية والجماعة، بالموقع الذى يشغله، وربما لهذا السبب - وجدنا أن فضيلة الإمام لم يذهب إلى الجامع الأزهر حين ذهب إليه لأداء الصلاة د.مرسى. أخطأت الجماعة -عن عمد- فى تقدير الموقع وشاغله، ويبدو أنهم تصوروا«الإمام الأكبر» مجرد موظف أو مسئولة كبير فى الدولة، كان المسلك ينم، إذا افترضنا حسن النية،عن جهل شديد¡ ولكن تكررت المواقف، مما يكشف أن الأمر يتعلق بسوء النية وسوء القصد تجاه الموقع وشاغله د.أحمد الطيب. غير أن الأمر يتجاوز الإمام الأكبر إلى الأزهر ذاته، ويمكن القول إن هناك مشكلة وجودية بين الأزهر والإخوان، ذلك أن وجود الأزهر كمؤسسة علمية ودينية ينفى وجود الجماعة، الأزهر هو المرجعية الأولى والعليا فى الشأن الإسلامى، هو الذى يقرر ويفتى فى ذلك الشأن، والجماعة تقدم نفسها للمصريين وللمسلمين باعتبارها صاحبة تلك المرجعية، الجماعة تريد أن تكون صاحبة الشأن فى ذلك الأمر، تقرر ما هو إسلامى وما هو غير إسلامى، تمنح صك الإيمان لمن ترتضيه وتحجبه عمن يغضبها، ويترتب على ذلك أنها -أحيانا- تمنح حق الحياة من تريد وتنزعه عمن تريد¡ رغم أن هذا شأن الله وحده، خالق البشر والمتحكم فى أعمارهم¡ ويقضى فى حياة كل إنسان.. البر والفاجر. حدث ذلك مع المستشار أحمد الخازندار، الذى اغتيل بأمر مباشر من البنا إلى عبدالرحمن السندى، كما سجل د.عبدالعزيز كامل فى مذكراته، وكما حدث مع النقراشى باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية فى آن واحد ثم مع سليم زكى حكمدار العاصمة، الذى يقطع بأن هذا الحق ليس لهم وهو الأزهر، وكم أدان عبر عهود مختلفة تصرفاتهم وأفعالهم تلك! لأنها تفتئت على الحق وعلى الانسانية. يلفت النظر أن الكثير من الإخوان فى كتاباتهم الدينية، تكون مرجعيتهم الاساسية ما يتولى به حسن البنا فى رسائله وبياناته أو مذكراته، رغم أن البنا لم يكن عالما ولا فقيها، هو كان يسمى نفسه داعية وبالمعنى الدارج واعظا، لكن الإخوان منحوا البنا لقب الإمام الشهيد وحكاية أنه إمام فيها كثير من الأقوال، ذلك أن معنى الإمامة كما عرفها الفقه الإسلامى لا تنطبق عليه، إمام الأئمة كان يطلق على الخليفة وأمير المؤمنين، وكان يطلق عليه كبار الفقهاء مثل الإمام الشافعى! والإمام أبو حنيفة¡ والإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل، وهكذا.. أين حسن البنا من هؤلاء، لكن الإخوان جعلوه إمامهم ويريدون له الآن أن يكون إمام المسلمين جميعا، وفى وجود الأزهر لن يتمكنوا من ذلك. فى بعض الحالات ونحن نقرأ أدبيات الجماعة تشعر وكأنهم يريدون أن يجعلوا من أنفسهم أصحاب دين خاص أو إسلام خاص بهم، غير الذى عرفناه وآمنا به، يصدر أحد الكتب للأطفال، تنشره إحدى دور النشر الإسلامية عنوانه «حسن البنا مؤسس الدعوة الإسلامية» وتتكرر طبعاته وللمرء أن يتساءل هنا وماذا عن سيد الخلق محمد بن عبدالله، رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس هو مؤسس الإسلام بتكليف واختيار إلهى، وهو أول من أسس الدعوة الإسلامية وتقرأ فى مذكرات محمود عساف السكرتير الخاص لحسن البنا «سكرتير المعلومات» أن البنا كان يختبر بعض الاعضاء بالجماعة خاصة بعد أن اختلف معه أحمد السكرى وطرح أن يكون السكرى مرشدا عاما بدلا منه.. كان البنا يسأل العضو: هل تبقى عضوا بالإخوان إذا تركها حن البنا؟ فإذا أجاب العضو المسكين بالايجاب أى «نعم» يرد عليه البنا: وهل تبقى مسلما إذا كان الاسلام من دون محمد بن عبدالله؟ فيرد العضو: لا.. ويشعر البنا بالانتصار قائلا لهم إن الفكرة والدعوة لابد لها من صاحب ومن ثم فلا إخوان - يعنى لا إسلام - بدون حسن البنا ولم تكن المقارنة دقيقة ولا صحيحة، لا يحق لحسن البنا أن يقارن نفسه بنبى الإسلام، عليه الصلاة والسلام، ذلك أن النبى تلقى الرسالة، تكليفا واختيارا من الله - سبحان وتعالى - عبر الوحى.. أدبه ربه وأعده لهذه المهمة، وهو لم يكن يفعل شيئا من عندياته، فيما يتعلق بالدين، كان مكلفا ومختارا من الله أما حسن البنا، فهو الذى اختار نفسه وحدد لنفسه مهمته وهدفه، واختار هو من عاونه فى ذلك، وقبل من الانجليز تبرعات مالية، وتعامل مع الحكومة المستبدة والمتسلطة، مثل حكومة صدقى باشا، لمنافح ومنافع خاصة، بينما نبى الله قال لعمه أبوطالب حين عرض عليه أهل مكة الأموال»:والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الدين ما تركته». غيرذ لك نجد حسن البنا فى مذكراته يكثر مقارنة نفسه ودوره بالنبى، ومقارنة المسلم نفسه بالنبى مقارنة الاقتداء والتآسى والتعلم، أمر مقبول ومحبذ، أما أن يقارن نفسه مع النبى مقارنة الندية والمساواة فى نفوس تابعيه، فهذا غير المقبول، ويثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام. ولا يسمح هذا المقال بطرح هذه التساؤلات ومحاولة البحث عن إجابات لها. وفى بعض اللحظات يفكر المرء أن الاحتلال البريطانى لدول وبلاد العالم الإسلامى، قام بكثير من العبث فى الاسلام ذاته، أما الاحتلال الفرنسى فاكتفى بنشر اللغة الفرنسية وإزاحة اللغة المحلية «العربية»، كما حدث فى الجزائر وإلى حد ما فى المغرب وفى تونس، لكنه لم يمسس الاسلام ذاته، الاحتلال الانجليزى عبث باللغة فى الهند، حيث جعل الانجليزية اللغة الأولى هناك، ثم عبث فى الاسلام ذاته لدى المسلمين هناك، حيث كان وراء تأسيس مذاهب انشقت عن الإسلام ذاته! وصارت ديانات فرعية جديدة، حدث ذلك فى الهند مع الأحمدية والقاديانية وحدث فى إيران! ولكن فى مصر لم يصل الأمر بالاخوان إلى هذا الحد، رغم ضلوع بريطانيا عبر شركة قناة السويس فى انشاء الجماعة، والسبب كما يبدو لى يعود إلى وجود الأزهر، الحارس على الدين والذى وقف دوما لأى خروج عليه، ومن يراجع بيانات وفتاوى الازهر طوال العقود الماضية يدرك مدى تنبه علمائه لهذه النقطة. يلفت النظر هنا أن كبار علماء الازهر الذين انضموا إلى الجماعة، كانوا فى أغلب الحالات ينشقون عليها ويخرجون منها، وأمامنا نماذج امثال الشيخ أحمد حسن الباقورى، والشيخ الغزالى! والشيخ الخولى وغيرهم، وحين صدر كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» قام عدد من علماء الأزهر بتفنيد ما ورد فيه، خاصة ما يتعلق بتكفير المسلم أو ما اطلق عليه هو الجاهلية الجديدة، كل هذا يعرفه الاخوان جيدا ويعرفون أن الازهر هو حجر عثرة أمام أن يكونوا معبرين عن الاسلام ومرجعيته. يزيد من الامر أنهم توقعوا تهليلا من الازهر لهم وللرئيس مرسى، فى أول مرة ذهب د.مرسى إلى الازهر يؤدى صلاة الجمعة، كان الخطيب هو د.عبدالفضيل القوصى وزير الأوقاف وعضو مجمع البحوث الاسلامية بالازهر! ألقى العالم الجليل خطبة تحدث فيها عن ضرورة أن يكون الحاكم حاكما لكل المصريين وليس لفصيل بعينه وأن يعدل بين الجميع، وفى ختام الخطبة دعا القوصى الله أن يوفق المصريين جميعا، ولم يختص الرئيس بالدعاء وبعد انقضاء الصلاة ذهب إليه أحدهم متسائلا.. لماذا لم يذكر الرئيس بالاسم فى الخطبة ويدعو له، بعدها بفترة وجيزة جرى التعديل الوزارى وأخرج د.القوصى من الوزارة! لم يرضهم أن يكون الازهر ناصحا وأرادوه مؤيدا ومهللا. الازهر لا يقف لهم فى ذلك فقط، إن وجوده ذاته يعطل لهم الكثير من الافكار والمشاريع حتى على مستوى الشكل، في الخمسينيات كان مرشد عام الجماعة يلقب داخل الجماعةب«الأستاذ المرشد» واستقر الأمر على هذا النحو، قبلها كان اسمه الاخ المرشد العام، ولكن فى العقود الأخيرة قفزوا قفزة أخرى، فقد صار لقب المرشد عندهم «فضيلة المرشد» وهم يعرفون أن لقب فضيلة يمنح إلى الامام الأكبر وإلى مفتى الجمهورية لكنهم حتى على مستوى اللقب يريدون أن ينازعوا الازهر والمشيخة فيه. الصراع بين الازهر والاخوان صراع «وجودي» وليس أمام الاخوان سوى أن يكفوا عن التحرش بالازهر والابتعاد عن اختصاصه ورسالته، ويصبحوا جماعة مثل أى جماعة سياسية أخرى..ولعل رد الفعل الغاضب فى الشارع المصرى تجاه ما حدث مؤخرا مع الازهر ينبههم إلى عدم الخوض فيما لا قبل لهم به، لقد سقطت دول وانقرضت جماعات وزال حكام وبقى الأزهر.