مبكراً كتب الإخوان بأيديهم قرار خروجهم من الحكم الذى ظفروا به بعد انتظار وشوق طال أكثر من ثمانين عاما!.. إنهم كان لديهم ما يكفى من الدهاء لاستثمار لحظة مهمة وفارقة فى تاريخ البلاد لتحقيق حلمهم القديم للقفز إلى حكم معد، لكنهم لم يكن لديهم ما يكفى من الذكاء للاحتفاظ بهذا الحكم، لأنهم خاصموا وعادوا الجميع، وعلى رأسهم الذين ساعدوهم لتحقيق حلمهم سواء من السلفيين أو تلك النخب السياسية الخائبة التى توهمت أنها تدفع البلاد للأمام تحت حكم الإخوان، بينما كانت للأسف الشديد تسهم بالعودة بها إلى قرون الظلام السحيقة الماضية. قرار خروج الإخوان من الحكم صدر، ومن أصدره هم الإخوان أنفسهم، ونحن وهم ننتظر فقط موعد التنفيذ.. نحن بلهفة وهم بقلق!.. فخلال بضعة أشهر قليلة خسر الإخوان الجميع.. الذين كانوا يرغبون فى تجربتهم بالحكم يرون أن التجربة فاشلة.. والذين كانوا يعتقدون أنهم سوف يراعون الله فينا اكتشفوا أنهم لا يراعون سوى مصلحة جماعتهم فقط أو بالأصح قيادة هذه الجماعة.. والذين أيضا تحالفوا معهم لضمان استمرار الثورة اكتشفوا أنهم أنفسهم خانوا الثورة حينما باعوها لمن يصفيها، بل ويصفى معها كيان الدولة الوطنية المصرية العتيدة، وهم يفسدون الآن أنامل الندم، وكلهم اعتذروا للناس علنا عن مساندتهم للإخوان باستثناء واحد فقط، قال إنه إذا تكرر الأمر سوف يرتكب ذات الخطأ!.. حتى الذين يتشاركون مع الإخوان فى أفكارهم السياسية مثل السلفيين كفروا بهم، عندما اكتشفوا أنهم يسعون فقط للاستيلاء بمفردهم على كل شىء فى البلاد، مؤسسات سياسية واقتصادية، والتخلص من كل الشركاء الذين ساعدوهم أو ساندوهم لتملك ناصية الحكم. الإخوان الآن يتصادمون مع الجميع.. السلطة القضائية، والصحافة والإعلام، وجهاز المخابرات، والمؤسسة العسكرية، والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى.. بل إن الخلافات امتدت عداوتها إلى داخل جماعتهم ذاتها، وهذه الخلافات بين قيادة الجماعة العليا وشبابها والقيادات الوسيطة مرشحة للانفجار فى أى وقت.. فكيف يمكن أن يحتفظ الإخوان فى ظل حالة عدم الرضا التى تحاصرهم الآن من المعارضين والحلفاء السابقين بل وأبناء جماعتهم والأهم من المواطنين العاديين؟!.. الوسيلة الوحيدة أمامهم هى الحكم كرها، أو الحكم بالقوة الغاشمة والغشيمة أو بالاستبداد السياسى والقهر الأمنى.. لكن الإخوان جربوا ذلك بالفعل ولم يهنأوا بالاستقرار فى مقاعد الحكم التى ظفروا بها نتيجة الغفلة السياسية لبعض النخب التى ابتلينا بها.. فهم يواجهون مقاومة شعبية تتسع يوما بعد الآخر.. لذلك لن يستمر الإخوان فى الحكم.. سوف يفقدونه غدا أو بعد غد.. ووقتها يتعين ألا يلوموا إلا أنفسهم أو بالأصح قادتهم!..