أشتد الجدل بعد الثورة حول تيار دينى يطلق على نفسه أسم التيار السلفى,وما بين معارض ومؤيد,وما بين المتربصين للتيار والمحبين له,تختلط المفاهيم وتضيع الحقائق. فالكارهون يصبون جام غضبهم وسخطهم على السلفيين ويحملوهم أخطاء لم يفعلونها,والمحبون يتغاضون عن اى أفعال تصدر منهم ولو كانت مقيتة.وهذه هى العشوائية البغيضة الكريهة التى تؤجج وتشعل النفوس تجاه بعضها البعض,وتفسد العلاقات بين أبناء الوطن الواحد. بداية دعونا نؤكد على أن كلمة السلفيين, ما هى إلا لفظة تبين إتباع المسلمين المتأخرين لسلف الأمة الإسلامية,لفهم الإسلام بفهمهم. فهؤلاء يرون أن خير من فهم القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وفقه العلوم الشرعية جميعها,هم الصحابة وأتباعهم رضى الله عنهم, لذلك وجب أتباعهم واخذ علومهم منهم,لأنهم آلافهم والأعرف من غيرهم.فكل من اخذ علمه من الصحابة والتابعين والأئمة الأوائل هو سلفي اصطلاحا. لكن بعد الثورة اختلط الحابل بالنابل,وقسم الناس وصنفوا السلفيين على أساس أنهم جماعة راديكالية لها أهداف وأغراض,وحاول الكثير إقصائهم من المشهد الوطنى,بل طالب بعض المنظرين للأحزاب والحركات السياسية إلى إرجاعهم للسجون كما كانوا فى عهد مبارك. لكن ما حدث من هرج ومرج وتصنيف وتشويه,ناتج عن عدم التمييز بين أفراد وجماعات التيار نفسه,فإذا أطلقت لحيتك وحضرت درسا لأحد الشيوخ وقلت انك سلفى,فأنت كذلك. فلا مانع أن يكون ممن يطلقون على أنفسهم سلفيون,مرشدين لأمن الدولة المنحل,أو أن يتخذ سمت وهيئة السلفيين حتى يجد سبوبة أو مصلحة. لذلك دعونا نقسم تيار السلف إلى ثلاثة أقسام مختلفة ومتباينة تمام التباين والاختلاف. فالقسم الأول وهو الأكبر والأوسع والذى ظلم بفعل تصرفات حمقاء فعلها البعض من الذين حسبوا أنفسهم وحسبهم الناس على هذا التيار,وهم السلفيون الدعاة المتفتحون المتعلمون المثقفون الورعون الذين يعرفون أن الدين الإسلامى هو فى المقام الأول دعوة وحكمة وموعظة حسنة,وأن الدين لا يتطلب أن تكون فظا قاسي القلب,فهؤلاء الرقيقى القلوب تجدهم يؤثرون الناس على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. هؤلاء تجدهم أئمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر,هؤلاء لا تفارقهم آيات الله ولا يتركون فروضهم ولا سنة نبيهم,هؤلاء تجدهم فى عون إخوانهم وأخواتهم بدون غرض وبدون سبب وبغير مصلحة لهم. يقدمون المصلحة على المفسدة بما ينفع الناس.ومع ذلك كله لا تجدهم متخاذلين متهاونين خانعين,ليسوا دراويش يلبسون المسبحة فى رؤوسهم,أو إمعات يسخر منهم الآخرون. أما القسم الثانى فهو قسم المنتفعين والعملاء والخونة,الذين عملوا كمرشدين لأمن الدولة المنحل,والذين جعلوا لحاهم وجلابيبهم البيضاء قنطرة ليعبروا بها إلى مصالحهم,فلا عجب أن تجد هؤلاء يوشون بإخوانهم لدى امن الدولة,أو يستخدمهم النظام فى تمرير مصالحه,ولا عجب أيضا أن يبحث هؤلاء عن سبوبة ببركة سمتهم وهيئتهم التى ينخدع فيها الكثير. أما القسم الثالث فهو بطبيعته تصادميا مع نفسه ومع الآخرين,لا اشكك فى دينه أو فى خلقه,لكن للأسف هو يعتقد انه الأصح دوما وكل المخالفين له أغبياء جهلة خانعين,يعتقد أن وجهة نظره هى الصحيحة فقط وإذا خالفته,تصبح له عدوا,فالعنف سمته,والفظاظة سلوكه,ولا يدرى متى يقدم المصلحة على المفسدة,وإذا قرأ كتابا أصبح عالما يفتى الناس فى أمور دينهم,وينهر الناس على أخطاء صلاتهم. يتعافى على خلق الله ولا يسمع لنصيحة,وإذا اختلفت معه على شيخ يحبه,مقتك وكرهك وكأن فى الإسلام كهنوتا مقدسا,ينفعل بغير انفعال,وينفلت بغير انفلات. لذلك فمن الخطأ أن نجمع السلفيين ونضعهم فى سلة واحدة,ونساوى ما بين التقى النقى,والنصاب المرشد,والغشيم المتعافى. إن التيار السلفى كما قلت تيارا كبيرا ضخما يغلب عليه الورع والتقوى والحكمة,لكن يفسد جمعهم وحكمتهم ودعوتهم, المنتفعيين والتصادميين.لذلك على عقلاء التيار السلفى ان يفرزوا الصالح من الطالح عن طريق إنشاء الأحزاب التى لا تقبل أية أعضاء,ولا يقبلوا أن ينضم لهم جاهل غشيم,أو منتفع مرشد. وأن يعدوا الكوادر التى تنظر لأحزابهم والتى تخاطب كل الأطياف دون إقصاء لأحد,وان تمتزج دعوتهم بالحسنى والحكمة مع السياسة والعمل العام. [email protected]