تربيتُ على أثير إذاعة "القرآن الكريم"، عرفتُ من خلالها مشاهير القراء ومغموريهم، وحفظتُ أسماء مذيعيها وأسماء برامجها، عن ظهر قلب، ولكن سرعان ما دار الزمانُ دورته، وانقطعتُ عن متابعتها سنوات ليست قليلة، قبل أن أعود إليها تزامنا مع أزمة فرقة "أولاد الشوارع" التي كانت وجهت انتقادا حادا لأدائها في إحدى أغنياتها، لم أستوعب يومئذ طبيعة هذه الانتقادات، وظننتُها سوء أدب من أعضاء الفرقة، في زمن عزّ فيه الأدبُ والخُلُقُ القويم، عند استئنافى متابعة أول إذاعة متخصصة في القرآن الكريم وعلومه، على مستوى العالم الإسلامى، أُسقط في يدى، وتخيلتُ أننى لم أنقطع يوما واحدا عن متابعتها، ومع انتظامى في الاستماع لها خلال شهر رمضان، أدركتُ أنه لا جديد يُذكر ولا قديم يستحقُ الذكر، كأن مذيعيها يقرأون من "إسكريبت واحد" لا يتغير أبدا، كأنهم خُشُب مُسنّدة. تتعاقب السنون، والإذاعة التي يجب أن تضطلع بدور مُهم في تجديد الخطاب الدينى والارتقاء بأخلاق مُريديها، لا تزال على وضعها، كأنها تنبت من صخرة صمّاء، وكأن العاملين بها يقيمون في برج عاجىّ، يُخاصمون الزمن، يرفضون الواقع، الإذاعاتُ والفضائياتُ الدينية التي أبصرت النور بعدها، وتديرها عقول مصرية أيضا، لا تخلو من الحيوية وروح الابتكار والمعاصرة، ولكن "الإذاعة الأم" ارتضت لنفسها أن تتمدد في حالة من الكسل والتخاذل المهنى المتواصل، البرامجُ القرآنية تشبه بعضها، "سهرة مع القرآن"، لا يختلف عن " دُرر قرآنية"، وكلاهما مثل "قرآن السهرة"، وجميعها يأخذ من معين واحد ومحدود، الفضاءُ الألكترونى يمتلأ بتلاوات نادرة لم تعرف طريقها بعدُ إلى إذاعة القرآن الكريم، أداء بعض المذيعين ومعظم المبتهلين والقراء الجدد يثير الكثير من علامات الاستفهام والشبهات، الرؤساء الذين يتعاقبون عليها لا يشغلهم إلا استغلال نفوذهم وتقديم حزمة من البرامج التقليدية وإذاعتها مرات عدة في توقيتات متميزة خلال اليوم الواحد، ليضمنوا استمرارهم بعد انتهاء مهمتهم، إذاعة "القرآن الكريم" قد تكون الوحيدة من بين وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التي تحمل رسالة وهدفا، ربما يكون القائمون على أمرها معذورين في تراجع مستواها على هذا النحو المشين، حتى لا نحمّل الناس أوزارا ليست أوزارهم، وحينئذ يجب أن تنظر الحكومة في أمرها، وتقدم لها جميع صور العون المادى والمعنوى والبشرى حتى تصنع منها وسيلة إعلامية ناجعة وناجحة ومؤثرة، وليس إذاعة لطرد العفاريت من منازلنا عندما نغادرها، إذاعة "القرآن الكريم" أوْلى بالدعم والمدد من غيرها، لأن نفعها يفوق كل نفع، ودورها يتجاوز أي دور.